مقدمة

من Tamiathis
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين و بعد : فهذا هو القسم الأول من القاموس الجغرافي للبلاد المصرية من عهد قدماء المصريين إلى سنة 1945 وهي السنة التي توفي فيها واضعه المرحوم الأستاذ محمد رمزي المفتش السابق بوزارة المالية . وهذا القسم خاص بالبلاد المندرسة وهي البلاد التي عفا أثرها وبقى اسمها في علم من الأعلام المجاورة ، أو ذكرت في الوثائق الرسمية وحجج الأوقاف وكتب الجغرافية والتاريخ ، أو أكل البحر أرضها ، أو ردمتها سافيات الرياح ، أو أتى عليها الحريق أو انمحى اسمها من عداد البلاد لضم زمامها إلى جارات لها أكبر منها رقعة أو أنبه ذكرا .

وقد رتبه واضعه على الأحرف الهجائية باعتبار اسم البلدة وحدة كاملة ، مع التزام الألف واللام في صلب الاسم ، وجعل هدفه تحقیق مواقع هذه البلاد المندرسة على الطبيعة من أحدث الخرائط المساحية والرد على علماء الآثار والجغرافية من شرقيين وغربيين بطائفة كبيرة من الاستدراك والتصويب والتعليق جعلها أسانيد واضحة للتدليل على رأيه في إثبات ما وصل إليه مقتنعاً بصحته . وقد رأت دار الكتب المصرية محافظة على هذا التراث أن تعمل على اقتنائه وأن تتخذ الوسائل لنشره فوافق مجلسها الأعلى على شرائه وتكليفها بطبعه على نفقتها . وقد تقدمنا إلى مديرها الحالي الأستاذ توفيق الحكيم آخذين على عاتقنا أن نقوم باعداده للطبع والإشراف على إخراجه فوافق مشكورا . وإنما وصل هذا القاموس الكبير إلى دار الكتب جزازات وقصاصات وكراسات كلها بخط يد واضعه الذي ذكر في بعض أوراقه أنه جمع في هذا القسم من القاموس أسماء المدن المصرية المندرسة وجعل همه إرجاع هذه الأسماء إلى أسمائها الحالية ، وتعيين مواقع البلاد التي اندرست على الخرائط الحديثة ، وتصحيح ما التبس من أسماء البلاد التي أرجعت إلى غير أصولها .

ولئن قامت دار الكتب بطبع هذا القاموس الجليل فانما تصنع جميلا نحو عالم مصري قضى عمره في وضعه وأفادها في حياته بتعليقاته القيمة في تعيين الأماكن الأثرية والبلاد المدرسة التي وردت في أكثر أجزاء كتاب النجوم الزاهرة التي تقوم بطبعه ، وتحديد مواقعها على أحدث الخرائط مما يدل على سعة اطلاعه وغزارة علمه في البحث والتحقيق ، نسأل الله جلت قدرته أن ينزل على قبره شآبيب رحمته وأن يجزيه الجزاء الأوفى على خدمته للعلم .

والآن نسوق هذه المقدمة تفسيراً للقرية المصرية في مختلف أطوارها ، وبيان للتقسيم الجغرافي للبلاد المصرية في مختلف العصور ، وتعريفاَ بواضع القاموس ، و إيضاحاً لما ورد فيه من مصادر و إحالات و إشارة إلى ما بذلنا من جهد وأدينا من أمانة في جمع شتاته وإخراجه للباحثين والله ولي التوفيق .

القرية المصرية

القرية والبلدة والناحية كلمات مترادفة مستعملة في مصر من الفتح العربي الأول ، وكلمة كفر استعملت دلالة على القرية الصغيرة من عهد الفاطميين والأيوبيين والمماليك ، وكلمة نجع ونزلة من توابع القرية معروفة منذ زمن العثمانيين ، وكلمة أبعادية وعزبة وقصر ومنشاة عرفت منذ زمن محمد علي إلى اليوم .

وعرف رئيس القرية باسم شيخ البلاد من عهد قدماء المصريين ، وشیخ المشايخ إلى أواخر حكومة محمد علي، ثم عرف بالعمدة من سنة ۱۲٦۰ هـ وهو على ذلك إلى الآن.

ولما كان الكفر والعزبة والنجع والنزلة نواة للقرية المصرية رأينا أن نشرح تاریخ انتشار العزب في مصر . كانت هذه العزب قليلة في الزمان الماضي وإنما كثر عددها حين أمر محمد علي سنة ۱۲٤٥ هـ ۱۸۳۰ م بإنشاء الأبعاديات في البلاد ذات الزمام الواسع ليكون المزارعون بالقرب من مزارعهم، واشترط أن تكون هذه الأبعاديات — من البعد — نواة لنواح صغيرة تابعة للبلاد الأصلية في الإدارة والزمام ، وجاء ابنه سعيد سنة ۱۲۷۰ هـ ۱۸٤٥ م فأجاب رغبة أصحاب الأبعادیات وغيرها من العزب والكفور في إنشاء نواح مستقلة استقلالا تاماً عن البلاد الأصلية ، واشترط أن تربو مساحة القرية الجديدة على مائة فدان ، وبذلك اندفع أصحاب العزب والكفور — وأكثرهم من كبار الموظفين والأعيان — إلى فصلها عن بلادها الأصلية ، وتغالى بعضهم في ذلك فطلبوا فصل مساكنهم نفسها وهي جزء من سكن القرية وجعلوها ناحية قائمة بذاتها باسم حصة كذا ، ولهذا ظهر الكثير من الحصص في البلاد ولم تكن معروفة قبلا . ثم زادت العزب والكفور في أيام سعيد حتى تجاوزت الألف ، ولم يراع في ذلك الصالح العام مما حدا بالخديوى اسماعيل إلى إيقاف تيار إنشاء العزب والكفور نظرا لاشتداد هجرة الأهلين إلى هذه العزب والكفور طلبا لحماية أصحابها من العسف والسخرة والعونة في حفر الترع ومد الجسور والخدمة الإجبارية في أراضي الدائرة السنية .

رأى إسماعيل أن سكان البلاد الأصلية هم الذين يقومون بكل هذه الالتزامات دون سكان العزب والكفور وأنهم يقضون غالب أيام السنة في أعمال السخرة والعونة خارج بلادهم مما ساءت معه حال أسرهم فأوقف إنشاء العزب والكفور إيقافاً تاماً ولكنه عاد في سنة ۱۸٦۸ فأصدر قراراً باعطاء الأراضي البور لمن يستصلحها من الأعيان والأمراء ، ولما كان هذا الاستصلاح يقتضي إنشاء العزب والكفور عادت التوابع إلى الظهور حتى بلغت أكثر من 400 عزبة في مديريات الشرقية والغربية والبحيرة وغيرها حيث وجدت الأراضي البور ، ولما تقدمت أنظمة الحكم والإدارة وتساوی سكان العزب والكفور بسكان البلاد الأصلية في الالتزامات الحكومية رأت الحكومة أن من الضروري لازدياد الثروة العقارية السماح بإنشاء العزب والكفور في الأراضي البعيدة على نطاق واسع فسنت لها تشريعاً خاصاً في سنة ۱۸۸٤ بعد أن قامت بحصرها في الوجهين القبلي والبحري ، وقد بلغ عددها لغاية سنة ۱۹۳۳ حوالی ۱٥۲٥۰ عزبة أي نحو أربعة أضعاف عدد القرى في البلاد المصرية كلها وأصبحت القرية الواحدة يتبعها عدة عزب أونجوع تبعاً لزيادة أراضيها وانتشار دائرة حدودها وعمرانها.

ومن راجع أخبار القرية المصرية في كتاب التحفة السنية لابن الجيعان — وهو سجل للقرى المصرية في أيام حكومة المماليك من سنة ۷۱٥ هـ إلى أواخر حكمهم — ظهر له أن أغلب القرى المصرية الحالية لا تزال تحتفظ بمجموع مساحة أراضيها فاذا حصل في مساحتها زيادة كان ذلك نتيجة حتمية لاستصلاح الأراضي البور وإذا حصل في مساحتها نقض كان ذلك نتيجة حتمية لتجزئة زمام القرية وتوزيعه على النواحي المستجدة التي ظهرت بجوار النواحي القديمة ، والفرق الضئيل بين المساحتين يتضح من اختلاف مقياس آلة الوحدة المساحية الزراعية وهي قصبة الغاب التي كانت تستعمل في مقياس الأراضي الزراعية منذ عهد بعيد .

فاذا قارنا القرى المعتبرة وحدة مالية قبل زمان التحفة بقليل أى في سجل فك الزمام المسمى تحفة الإرشاد الذي حدث في زمان الملك المنصور حسام الدين لاجين سنة ٦۹۷ ھ اتضح لنا أن مجموع القرى المصرية ۲۰۷۱ ناحية في تحفة الإرشاد بينما هو في سجل التحفة السنية ۲۲۸۳ زاد فيها ۲۱۲ ناحية جديدة نتيجة حتمية لاستصلاح الأراضي البور وتجفيف البحيرات وحفظ الأمن وإصلاح الطرق مما تكون منه عدة قرى وبلاد ، كما أنه نقص من تحفة الإرشاد ٤۲۷ قرية اندرست في المدة نفسها نتيجة حتمية لإلغاء وحدات مالية خراجية وضمها إلى ما جاورها من البلاد .

وحيث كان الغرض الأسمى من إحصاء القرى والمساحات الزراعية هو جباية الخراج كان عمال المساحة والخراج لا يهمهم تصحيح أسماء البلاد التي درست بل كانوا يطلقون اسم القرية الدارسة على أحد توابعها من العزب والكفور فاذا ما خلت من ذلك كله كانوا يطلقون على زمامها أي أرضها الزراعية عبارة ( غيط من غير حيط ) أي أرض زراعية من غير سكن ، ومن حسن حظ الباحثين أن القرى المندرسة جميعها كان يتبعها عزب وكفور يسكن بها القائمون بأعمال الزراعة في أراضيها فأصبحت هذه العزب والكفور علما على القرية المندرسة تحمل اسمها القديم ، ولهذا السبب حذفت أسماء كثيرة من سجل التحفة وظهر بدلا منها قرى مستحدثة يظنها القارئ مستجدة في حين أن وحدتها المالية قديمة ، وفي كثير من الأحيان يذكر الاسم القديم مع الحديث لسهولة الإرشاد فيقال أبشيش وهي الجميزة ، وأبجوج وهي أبو قراميط ، وسدمنت وهي السنطة وهكذا ، وإذا تداخل زمام القريتين في بعضهما البعض ذكر اسم القريتين معاً فيقال الحراز والقلزم ، وزفيتى وشطنوف ، وظل الحال على ذلك إلى عهد محمد على فذكر المساحون وكتاب الخراج عبارة (غيط من غير حيط) في مثل دملاش التي حل محلها كفر دملاش ومنيل العطش التي أضيف زمامها إلى ناحية فيشا الصغرى وهي كذلك في القرى المشتركة في عهدنا الحاضر فيقال القنى وبني بكار وقهبونه والحماديين وكلاهما ناحيتان مستقلتان من الوجهة الإدارية مشتركتان من الناحية المالية .

ولزيادة الإيضاح نقول إن الناحية المالية هي كل بلدة منفصلة في إدارتها أي في سلطتها الداخلية عن البلاد المجاورة لها أي لها عمدة ومشايخ لإدارتها وخفراء لحفظ الأمن في زمامها ولها زمام خاص من الأراضي الزراعية بحدود معروفة تفصلها عن زمام البلاد المجاورة لها ، وهذا الزمام محصور بأسماء أصحاب الأطيان في خريطة مساحية وفي دفتر مساحة ودفتر مكلفة وجريدة للأموال الأميرية ويكون لهذه الناحية دفتر مواليد ودفتر وفيات ودفتر انتخاب ، وهذه هي الوحدة المالية التي أطلق عليها كتاب الخراج اسم البلدة في الزمن القديم والحديث .

أما الناحية الإدارية فهي عبارة عن جملة عزب أو نجوع أو كفور قريبة من بعضها البعض وبعيدة عن سكن البلاد الأصلية تفصل من توابع بعض النواحي في منطقة متجاورة وتضم إلى بعضها ويعين لها عمدة لإدارتها وخفراء لحفظ الأمن فيها ويكون لها دفتر مواليد ودفتر وفيات ودفتر انتخاب على أن تكون أراضي هذه الوحدة الادارية من الكفور والعزب تابعة من الوجهة المالية للبلاد الأصلية الواقع في زمامها هذه الكفور والعزب .

ونظرا لاتساع أراضي البلاد وخاصة الواقعة منها في الأطراف الشمالية من الدلتا عند البحيرات أو حواجر البلاد في الصعيد ومديرية البحيرة وما طرأ على هذه البلاد من كثرة العدد حتى أصبح من المتعذر على العمدة فيها أن يقوم بتأدية أعمال الحكومة على الوجه المطلوب ، رأت الحكومة أن تنصح بتقسيم توابع كل بلدة — مع مراعاة الموقع والسكان والمسافات — إلى ناحية إدارية أو أكثر مع بقائها من الوجهة المالية — أي فيما يختص بالزمام — تابعة للبلاد الأصلية .

ولما ظهرت للحكومة فوائد إنشاء النواحي الإدارية في أعمال الضبط والربط وحفظ الأمن وإنجاز أعمال الحكومة توسعت في تقسيم البلاد ذات الزمام الواسع إلى نواح إدارية حتى بلغت سنة ۱۹۰٦ — ٣٥٩ ناحية منها ۱۹۰ في الوجه البحرى و ۱٦۹ في الصعيد هذا غير ۲٥۰ ناحية مالية مشتركة رأت مصلحة المساحة أنها بتداخل زمامها في زمام البلاد المجاورة تعتبر مع النواحي المضافة إليها ناحية واحدة باسم مشترك في الخريطة المساحية وفي دفتر المكلفات كما كانت الحال قديماً . وقد بلغ عدد النواحي الإدارية في نهاية سنة ۱۹٤۳ — ۳۷۲ ناحية منها ۱۸۲ في الوجه البحري و ۱۹۰ في الصعيد .

والكفر كلمة سريانية أوردها أبو صالح الأمني في كتابه « الأديرة والكنائس » وفيه سجل لحصر الكور والقرى في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله الذي حكم من سنة ٤۲۷ هـ إلى سنة ٤٨۷ هـ ، ولا يوجد في كتاب التحفة السنية إلا ۳۰ كفراً زادت إلى ۱۲۰ في العهد العثماني ، وفي عهد محمد علي بلغت ۳۲٥ كفراً ووصلت في أواخر حکم سعيد إلى ٦۰۰ كفرا .

والعادة في الكفر أن يكون بجوار بلدته الأصلية مثل كفر العمار وكفر دنشواي ما عدا مديرية البحيرة فقد شذت عن هذه القاعدة فانه يوجد بها كفور منسوبة إلى نواح بعيدة عنها جداً مثل كفر بولين في مركز كفر الدوار في حين أن بولين في مركز كوم حماده ومنشاة أريمون في مركز المحمودية في حين أن أريمون في كفر الشيخ بمديرية الغربية.

أصل القرية المصرية أساس القرية المصرية هو الفدان والحوض والقبالة . قال المقريزي في الكلام عن قبالات مصر ( ج ۱ ص ۸۱ ) إن متولي الخراج كان يجلس في جامع عمرو بالفسطاط في الوقت الذي تتهيأ فيه قبالة الأرض وقد جمع الناس من سائر القرى والأقاليم فيقوم رجل ينادي على البلاد صفقات صفقات وكتاب الخراج بين يدي متولي الخراج يكتبون ماينتهي إليه تتابع القرى على متقبليها — أي ملتزميها — وكان التقبيل لمدة أربع سنوات لأجل ما يطرأ على الأرض الزراعية من الظمأ والاستبحار ، فكل من ضمن أرضاً أو تقبلها يتعهد بزراعتها وإصلاح جسورها بنفسه وأهله و يحصل ما عليها من الخراج في إبانه على أقساط ويحسب له ما ينفقه على عمارة جسورها بضرابة مقدرة في ديوان الخراج ، ثم نقل ديوان الخراج إلى جامع أحمد بن طولون في أيامه ثم نقل إلى دار الوزير يعقوب بن کلس في صدر الدولة الفاطمية فإلى القصر الفاطمي نفسه طول أيام الدولة الفاطمية . قال المقريزي فاذا انقضت ثلاثون سنة راكوا البلاد كلها أي عدلوها تعديلا جديداً ، ولا يخفى أن الري في الزمن القديم كان على طريقة الحياض المعروفة الآن في الوجه القبلي . والروك كلمة قبطية معناها قياس الأرض بالفدان وتثمينها أي تقدير درجة خصوبتها لتقدير الخراج عليها ، ويقابل الروك في وقتنا الحاضر عملية المساحة العامة وعملية تقدير الضرائب . وشرح المقريزي طريقة توزيع الأراضي في (ص ۸٥ ج ۱) من الخطط فقال إن البلاد كانت من أول الحكم العربي إلى آخر الدولة الفاطمية تعطى بطريق القبالات لمن يشاء من الأمراء والجند والأعيان من العرب والقبط ، وكان المزارع المقيم بالبلدة فلاحاً قرارياً أي عبداً قناً لمن أقطع تلك البلدة ، ومن وقع عليه التقبيل — أي الالتزام — حمل ما عليه من الخراج لبيت المال ومنه يوزع على العسكر والجند . وقد وصف المقريزي حالة الزراعة المصرية فقال إذا انحسر ماء الحياض عن الأرض وتقبلت نواحي مصر بالزراعة أي أعطيت بطريق الالتزام يخرج كل إلى ناحية من ذكرنا فيحرر مساحة ما يشمله الري وتكتب بذلك مكلفات واضحة بالفدن . وفي كتاب فتح مصر لابن عبد الحكم ص ۱٥۲ أن عمرو بن العاص لما استولى على أرض مصر أمر القبط على جباية الروم بالتعديل : أي إذا عمرت القرية زاد على أهلها الخراج وإذا خربت نقص على أهلها الخراج . وكان المتبع أن يخرج أهل كل قرية إلى أرضهم يزرعونها ويخرجون فدادين لكنائسهم وحماماتهم ومعدياتهم . قال ابن عبد الحكم وجعل عمرو لكل فدان نصف أردب قمح وويبتين من شعير إلا القرط أي البرسيم فلم تكن عليه ضريبة ما . فالفدان كان وحدة المقاييس الزراعية في عهد القبط وقدماء المصريين وأخذه العرب عنهم . والفدان لغة هو المحراث واصطلاحا هو ۳۳۳ وثلث قصبة مربعة من الأراضي الزراعية من عهد محمد علي . والوحدة الزراعية كانت في الزمان القديم هي القبالة كما ورد في المقريزي وكانت تؤجر للمقبلين كل أربع سنوات وكل قبالة تكون باسم صاحبها . وقد أصبحت الوحدة الزراعية الآن هي الحوض والحوض عادة يكون قسما واحداً من الأراضي الزراعية متساوية في درجة الخصوبة بخلاف القبالة قدیماً .

ولقد ذكر القلقشندي في كتابه صبح الأعشى ( ج ۳ ص ٤٤٦ ) أن القصبة الحاكمية هي آلة الوحدة المساحية الزراعية وهي عود من الغاب نسبها إلى الحاكم بأمر الله الفاطمي وذكر أنه لا يكبرها إلا القصبة السندفاوية نسبة إلى سندفا أحد شقي المحلة الكبرى ، وفسر المقريزي في (ج ۱ ص ۱۰۳) من الخطط فقال إن الفدان الواحد مساحته ٤٠٠ قصبة حاكمیه ۲۰ قصبة طولا في ۲۰ قصبة عرضاً ، وذكر يعقوب أرتين في كتابه الأحكام المرعية ص 186 وما بعدها أن الفدان هو أساس الضريبة العقارية في مصر وهو الأساس المعتمد منذ الفتح العربي الأول إلى اليوم ، وكان أشهر فدان في حكومة محمد علي هو فدان الرزَق الذي مجموع مساحته 400 قصبة حاكمية مربعة ، وذكر يعقوب أرتين أن الفدان في القرن السابع الميلادي أي في عهد دخول العرب مصر كان ٦۲۰۹ متراً مربعاً وفي القرن الرابع عشر الميلادي أي في عهد حكومة الماليك كان 6034 متراً مربعاً وفي القرن الثامن عشر الميلادي أي على عهد حملة نابليون بونابرت على مصر كان ٥۹۲۹ متراً مربعاً ، والقصبة التي وجدها الفرنساويون في أحد جوامع الجيزة هي قصبة نموذجية قاسها علماء الحملة الفرنسية فوجدوها ۳٫۸٥ متراً ومنها استخرجوا مساحة الفدان على عهد الحملة . قال يعقوب أرتين يظهر أن محمد علي أخذ حاصل متوسط مقاس ثلاثة أفدنة من بلاد مصرية مختلفة . لكن جرجس حنين في كتابه الأطيان والضرائب قال في ص ۱۰۹ إن محمد علي في سنة ۱۲٥٥ هـ ۱۸۳۳م عقد جمعية من المهندس الفرنسي لينان والمهندسين المصريين أدهم وبهجت وعبد الرحمن وغيرهم وقررت هذه اللجنة جعل القصبة ۳٫٥٥ متراً وكان محمد على قد قرر قبلا أن يكون الفدان ۳۳۳ وثلث قصبة أي منذ سنة ۱۲۲۸هـ عند فك زمام مصر الأول ، وقد أخذت اللجنة من الأقيسة التي كانت مستعملة قبل سنة ۱۲۲۸هـ في فدادين الوجه البحري والصعيد خمسة أفدنة وأخذت متوسط مقاسها فكانت النتيجة ۳۳۳ وثلث قصبة مربعة . . . قال جرجس حنين ص ۱۰۸ وكانت وحدة المقاييس الزراعية على عهد هيرودوت هي الأورور وهو نصف فدان تقريباً ، وطول القصبة التي وجدها الفرنساويون في جامع الجيزة تساوی جزءا من ستين من ضلع قاعدة الهرم الأكبر ، والقصبة المصرية القديمة كانت ۳٫۰۸ متراً أو جزءا من 75 من طول ضلع قاعدة الهرم الأكبر أيضاً وهي تساوی جزءا من ۱٥ من طول ضلع الأورور . . . ومساحة الفدان عبارة عن ٤۲۰۰ متراً مربعاً طول كل ضلع من أضلاعه ۱۸ وربع قصبة من قصبة محمد علي .

وقد أصدر سعيد باشا قراراً في سنة ۱۸٦۱ بجعل القصبة ۳٫٥٥ متراً في جميع أرض مصر وبذلك حدد مقاس المساحة في مصر واضحاً ، وتأيد هذا الأمر في سنة ۱۸۹۱ وأصبح استعمال القصبة التي طولها ۳٫٥٥ متراً إجبارياً في جميع بلاد القطر المختلفة وبذلك أصبح الفدان نهائياً ۳۳۳ وثلث قصبة ، والقيراط ۱۳٫۸۸۸ من القصبة والسهم ۷۸ه من مائة من القصبة وهذا عبارة عن ٤۲۰۰ متر مربع للفدان و ۱۷٥ متر مربع للقيراط و ۷٫۲۹۳ للسهم الواحد ، وبذلك اختفى الفدان القديم بأقسامه وظهر الفدان الجديد بأنواعه ، وهنا ظهر الفرق في تقدير أطيان القطر الزراعية حيث أصبح الفدان القديم يساوی فداناً وربع فدان تقريباً من الفدان الجديد . . . وكان الأساس في الوحدة الزراعية هو القبالة كما ذكر المقريزى في خططه وكانت القباله تؤجر لمدة أربع سنوات وكل قباله كانت تقيد باسم صاحبها لاستخلاص الخراج منه ، والأساس الآن في الوحدة الزراعية هو الحوض ، يميز كل حوض باسمه وهو عبارة عن قسم واحد متساو من الأرض من حيث الخصوبة وطرق الري ، ولم تكن القبالات في الماضي يراعى فيها هذه الدقة لا في درجة الخصوبة ولا في نظام الري ، وكانت الضريبة العقارية متساوية على الجيد والردئ والمستبحر ، غير أنه في عملية فك الزمام الأخير من سنة 1899 إلى سنة 1906 قسمت الأراضي إلى أحواض لوحظ فيها فروق الأطيان بكل دقة وعدلت الضرائب على ذلك بالقسطاس المستقيم واختفت القبالة من المقاييس الزراعية وحل الحوض محلها إلى اليوم .

القرية المندرسة

عرفنا أن كلمة قرية وناحية وبلدة كلمات مترادفة مستعملة في مصر منذ العهد العربي الأول تضافرت على ذلك جميع كتب الخطط القديمة والحديثة كما أجمع على ذلك كتب التاريخ للحوادث والتراجم في القديم والحديث أيضاً ، ولقد استعمل أبو صالح الأرمني كلمة الناحية من سنة 483 هـ دلالة على البلدة كما استعمل كلمة الكفر دلالة على التوابع . وعرفنا أنه حين تم تقسيم البلاد الواسعة الزمام إلى نواح جديدة كان يطلق على الناحية الجديدة كفر كذا ، ولما تحولت هذه النواحي إلى نواح مالية احتفظت بأسمائها الأصلية فكفر كذا موجود من عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون من قبل سنة ۷۱٥ هـ وكلمة نزلة ونجع استجدتا على عهد العثمانيين من بعد سنة ۹۲۲ هـ . وكلمة أبعادية استجدت في عهد محمد علي بعد سنة ۱۲۲۸ هـ وقد بطلت كلمة نزلة ونجع وقصر وبقيت كلمة عزبة شائعة على الألسن كما استجدت في الأيام الأخيرة كلمة منشاة .

وقلنا إن النواحي التي درست أسماؤها أو أماكنها لم تختف تماماً فان أهل القرية المندرسة كانوا يهجرونها إلى توابعها من عزب وكفور فتحمل هذه العزب والكفور اسم القرية المندرسة مسندة إلى كفرها الجديد . ونعود الآن إلى ذکر کيفية خراب القرى واندثارها في إسهاب حتى يتضح للقارئ جلاء أسباب عمار القرى وأسباب خرابها وما يطرأ على الأراضي الزراعية من عوامل التلف والإصلاح . وتكون القرية مندرسة تماماً أي اسماً ومعنى أي قد تخرب القرية خراباً تاماً وتعفي آثارها كلية أو يبقى اسمها علماً على الحوض الزراعي الذي كان فيه جدارها أو على مجموعة من التوابع في زمامها ، وقد تبين من تاريخ القرية المصرية ومن دراسة الكتب التي كتبت عنها أن القرية التي ينحط حالها أو تتخرب أو تندرس كلية لابد أن يظهر بدلا منها قرية أخرى تكون في زمامها ومن توابعها وتحل محلها لسكن مزارعي أراضيها في ذات المنطقة المحددة لزمامها القديم إلا إذا أكل البحر أراضيها أو ردمتها الرمال ، ولنقف قليلا على هذه العوامل والأسباب في خراب المدن والقرى نفصلها فيما يلي : (۱) انقطاع مياه الري عن الوصول إلى أراضي القرية أو مياه الشرب عن الوصول (۲) غرق مساكن القرية من قطع جسور النيل مدة الفيضان وعدم مقاومة المباني للماء لأنها من الطوب الأخضر . (٣) أكل النهر لأطيان القرية أو مساكنها بقوة جريان الماء وقت الفيضان وعدم وجود وسائل الوقاية . (٤) وجود مساكن القرية في منخفض من الأرض وتسلط مياه النشع عليها فتصبح أرضاً سبخة وينشأ من ذلك تلف في مبانيها فيضطر سكانها إلى هجرها . (٥) تسلط الرمال على أرض القرية أو مساكنها حتى تختفي من تراكمها عند هبوب الرياح . (٦) ارتفاع مباني سكن القرية فوق التلال فترتفع القرية عن منسوب الأرض الزراعية ، وهذه التلال تتكون من تراكم الأتربة والأنقاض المتخلفة من طبقات المساكن القديمة التي بنيت في عصور طويلة مكان القرية أو المدينة الأصلية فيتعذر على السكان الصعود والهبوط يومياً من فوق تلك التلال . (۷) الحريق فيا يعلو سطوح منازل القرية المتصلة بعضها ببعض من المواد القابلة للالتهاب من أنواع القش والحطب والبوص المتراكم عليها . (۸) الأوبئة التي تفتك بسكان القرية كما حصل في الطاعون الأسود الذي عم القطر في عهد الملك الناصر حسن بن قلاوون وقضى على ثلث سكان القطر . (٩) المنازعات التي تقع بين سكان القرية الواحدة بسبب الضغائن والخصومات والثأر مما يدعو الكثير من سكانها للارتحال عنها . (۱۰) ظلم المقطعين والملتزمين وجورهم على محاصيل القرية الزراعية مما يحدو بأهل القرى إلى الهجرة كما كانت الحال في أيام العثمانيين وأيام محمد علي . (۱۱) إثقال سكان القرية بالضرائب مع ظلم الحكام مما يحملهم على الهجرة والارتحال . (۱۲) تكليف الأهالي بأعمال السخرة والعونة في حفر الترع وإقامة الجسور طول أيام السنة تقريباً مما يدعوهم إلى هجر قراهم وتركها خرابا لقلة الأيدي العاملة فيها كما حصل في زمن الخديوي إسماعيل . (۱۳) هدم الحكومة لمساكن القرية لتظاهر سكانها بالعصيان كما حصل في زمن محمد علي حيث أمر بهدم قرية بني مرزوق في الشرقية . (۱٤) اختلاط مساكن القرية بقرية أخرى وضم سكان القريتين معاً كما حدث في أبشادات ملوي . (۱٥) هدم المدن والقرى أو إحراقها لدوافع حربية كما أحرق شاور مدينة الفسطاط في أواخر الدولة الفاطمية وكما هدمت دمياط القديمة في الحروب الصليبية .

وكما تدرس القرية نفسها يدرس أيضا اسمها ، ولقد دخل العرب أرض مصر وحشدوا جيشاً عرمرماً من التراجمة القبط واليونان لحصر أسماء القرى المصرية ، هذا الجيش العرمرم أبقى على أسماء القرى المصرية بحالها أو حرفه قليلا ليصل إلى سمع العربي ، أو ترجم ترجمة معنوية إذا كان الاسم المصري القديم يقارب في اللفظ الكلمة العربية ، وعلى العكس من ذلك لما دخل اليونان أرض مصر وضعوا لمدنها وقراها أسماء غير أسمائها الأصلية وذلك بترجمة الأسماء المصرية أو ترجمة أسماء الآلهة المصرية إلى ما يقابلها من الإغريقية أو تحريفها عن أصولها تحريفاً تاماً لاختلاف اللغتين ، ومن حسن الحظ أن الأسماء اليونانية التي أطلقت على الأسماء المصرية لم تكن شائعة بين الجمهور بل اقتصرت على دفاتر المستعمرين ولذلك بقيت أسماء المدن المصرية كلها باسمها المصري إلى عهد دخول العرب وإلى اليوم وبقيت الأسماء اليونانية في بطون الكتب ، وخلف القليل منها في مثل مديرية الفيوم وهو الإقليم المختار الذي أطلق عليه اليونان مقدونيا الجديدة وجعلوا منه مستعمرة يونانية صرفة نقلوا إليها كثيراً من الأسر اليونانية ، ولقد اختاروا الفيوم في الحدود الفاصلة بين السهل والجبل بعد أن جففوا شطراً كبيراً من بحيرة موريس وجعلوا منها أرضاً خصبة واحتاطوا لعدم اختلاط السكان الوطنيين بالمستعمرين الجدد، وطرزوا هذا القطر بالمدن الجديدة الرائعة على غرار مدينة الإسكندرية ولا يزال حوالى ١٤ قرية تحمل اسمها اليوناني القديم ، ولتشابه الفيوم بأرض اليونان في حضن الجبل بعيدة عن الوخم والرطوبة طيبة التربة تنبت الكروم والأعناب لا سيما شجرة الزيتون شجرتهم المقدسة في بلادهم مکث اليونان هناك سبعة قرون طويلة من سنة ۳۲۰ قبل الميلاد إلى سنة ٤٠٠ بعده ثم غادروا الفيوم إلى بلادهم لاختلال نظام الري وهجوم رمال الصحراء على المدن والمزارع واضطهاد حكام الرومان لهم بالضرائب الباهظة .

والعرب في أول أمرهم عربوا أسماء القرى المصرية فقالوا بنها العسل وطوخ الملق ولكن صلاح الدين الأيوبي أمر بإعادة الأسماء المصرية القديمة لقراها مثل قرية مال الله في الشرقية التي رجعت لاسمها المصري القديم سندنهور الشائع على ألسنة الجمهور ولم يبق من أسماء القرى العربية إلا ما أسسه العرب من القرى قبل ذلك وما أقلها .

ومنذ أن فك شامبليون رموز اللغة الهيروغليفية القديمة بعد اكتشاف حجر رشيد قامت في أوربا وأمريكا مدرسة عظمى لدراسة المصريات التي تزعمها الفرنسيون وقامت على دعائم قوية من قراءة اللغة المصرية القديمة إلى أعمال الحفريات في ريف مصر وصعيدها فكان علماء الآثار إذا عثروا على اللفظ القديم سواء أكان لبلدة أو أثر نقلوه من العصور المتوغلة في القدم ووضعوه أمام أعيننا مع سرد أقوال علماء التاريخ والجغرافيا في تطبيق هذا اللفظ على مكان قائم أنى وجدوه ، كما دأب البعض منهم على بحث اشتقاق القسم القائم فيقلبه بين يديه و يرجع به إلى الوراء سنين عديدة ليستهدي به معنى لطبوغرافية المكان الذي يطلق عليه ، أي أن بعض العلماء سار من الماضي إلى الحاضر والبعض الآخر سار من الحاضر إلى الماضي ، وفي نقطة التقابل ظهرت الحقيقة واضحة وكان المؤرخ عاملا مساعداً في بحث تعليل الأسماء حتى تجتمع عوامل البحث الأركيولوجي من حيث الحفر والتنقيب إلى عوامل البحث اللغوي من حيث تاريخ اللفظ واشتقاقه وأوان ظهوره ، وكان المرحوم علي مبارك في كتابه الخطط التوفيقية أول من حاول هذه المحاولة بعد أن كشف حجر رشيد ولقد طوى أعواماً طويلة في التحقيق والاستقصاء وتحديد نشأة البلاد وتاريخ تكوينها وما طرأ عليها من تغيير وتبديل خلال القرون ، وسار على طريقته المثلى مؤلف هذا القاموس .

ولقد كان لتحريف الكتب المخطوطة أكبر الأثر في البلبلة التي نراها اليوم في تحريف أسماء القرى وذلك لتشابه الحروف المنقوطة في اللغة العربية من جهة وجهل النساخين وعدم وجود آلة الطباعة في الزمن القديم من جهة أخرى ، فكتب النساخ لنا أسماء البلاد المصرية غاية في التشويه والتصحيف وهي في الواقع أسماء من لغات وأجناس عديدة تولت حكم مصر في عصور مختلفة من التاريخ . أجل ! إن ٧٥ في المائة من أسماء البلاد المصرية طرأ عليها تغيير عظيم حتى أصبحت لا تتفق في اللفظ والشكل مع أصولها القديمة ، ونشأ هذا التحريف من جهل السكان للقراءة والكتابة ، وجهل النساخ لطريقة الكتابة نفسها فجهلت أسماء البلاد الصحيحة ولم ينطق بها على الوجه الصحيح وكتب الاسم بكل تصحيف وتحريف ، أضف إلى ذلك أن أكثر أسماء البلاد أعجمية صرفة مختلفة اللغات خليط من أسماء معبودات وكلمات قبطية وفارسية ويونانية ورومانية وأسماء قبائل عربية وغير عربية ، وقد انتهت كل هذه الأسماء بما فيها من تحريف وتغيير و إبدال و إغفال إلى كتاب دواوين محمد علي سنة ۱۲۲۸ هـ فنقلوا هذه الأسماء من مصادرها القديمة محرفة ومصحفة ومشوهة إلى سجلات ودفاتر تاريع محمد علي ثم نشرتها الحكومة بحالتها التي وصلت إليها ووزعتها على مصالح الحكومة وفروعها ومنها أسماء قبائل عربية كانت غير مستهجنة في عصرها عند تكوين القرية الأول ولكنها أصبحت لا تتمشى مع روح العصر بل أصبحت على النقيض أداة للتعيير والتشهير مثل بني مجنون وكوم التيس ومیت جحيش ، وقد وافقت الحكومة أهل هذه القرى على تغيير اسمها بما يطابق روح العصر في حالتين عامتين أثناء عملية فك الزمام وأثناء التعداد وحصر السكان ، وقد كان هذا التغيير عسيراً في ذاته في الزمان الماضي لتمسك الأهلين بالنعرات القومية والعادات القديمة ولتمسك الحكومة بعدم تغيير أسماء القرى والبلاد لما يترتب على ذلك التغيير في حجج البيع وعقود الرهن ودفاتر المساحة والمكلفات ونحوها من سجلات وأوراق رسمية على اختلاف أنواعها ، ولكن ظروف الحياة العامة وانتشار الثقافة هو الذي حمل الأهلين على طلب هذا التغيير . ومنذ وضع ابن الجيعان كتابه التحفة السنية سنة ۸۸۳ هـ — وهو آخر سجل رسمي للبلاد المصرية في عهد حكومة المماليك — إلى تاريع محمد علي سنة ۱۲۲۸ هـ كان التغيير في أسماء البلاد طفيفاً غير معلوم تاريخه بالضبط ، أما من عهد الحملة الفرنسية سنة ۱۸۰۰ م إلى سنة ۱۸۹۱ فكان التغيير معلوماً تاريخه بعض الشيء ومن سنة ۱۸۹٦ للآن أصبح تغيير أسماء البلاد معلوماً ومشهوراً منشوراً في الوقائع الرسمية وغيرها .

وكتاب التحفة هذا هو آخر مصدر رسمي شامل لأسماء القرى والمدن المعتبرة وحدة مالية حتى آخر عصر المماليك ، وهو الحد الفاصل الذي اعتمده صاحب القاموس الجغرافي بين القرى القديمة الواردة فيه و بين القرى الحديثة التي استجدت بعده ، و يمكن اعتباره أوفى مصدر وصل إلينا من هذا النوع من الكتب ، ولهذا اتخذه المؤلف دليلا للمقارنة بين القديم والحديث ، وأمكنه بواسطة هذا الكتاب أن يعرف البلاد التي درست مهما كان موجوداً قبل الروك الحسامي وأن يعرف ما استجد وما اندرس من القرى من سنة ۸۸۳ هـ — ۱٤۷۷ م — وهي السنة التي وضع فيها ذلك الكتاب — إلى اليوم .

هذا وقد بلغ عدد القرى المندرسة في كتاب القاموس الجغرافي ۲۰۷٥ قرية إذا حذفنا الإحالات والمكررات ، وهو قريب من نصف القرى المصرية الحالية قديما وحديثها .

القرية القديمة

كانت أرض مصر منذ الفتح العربي الأول إلى أن حكم مصر محمد علي أرضاً خراجية أي ملكاً صريحا لبيت المال أو للسلطان أو للحكومة القائمة ، وكان الملتزمون أو المقطعون يدفعون ما عليها من المال خراجاً سنوياً ما عدا الوقف والرزق والكروم والبساتين فقد كانت معفاة من الخراج نوعاً ما ، وكانت الأرض تعطى للمقطعين أو الملتزمين يأخذونها هبة أو بالمزاد العلني ويدفعون ما عليها من الضريبة والخراج ، وليس لهم حق الملك بحال من الأحوال ، فلما تولى محمد علي أبطل الإقطاع والالتزام سنة ۱۲۲۸هـ — ۱۸۱۳ م ووزع أرض كل ناحية على أهلها وقيد أطيان كل ناحية بأسماء واضعي اليد عليها لدفع الضريبة العقارية دون التملك أو التصرف فيها ، وسميت هذه الأرض بالأراضي الخراجية ، ثم أنعم على كبار موظفيه وأمرائه بالأطيان البور الواسعة لاستصلاحها على أن يربط على المستصلح منها العشر من غلتها عيناً ثم نقداً فيما بعد، وسميت هذه الأرض بالأراضي العشورية .

ولقد استمرت الأرض الخراجية ملكاً صريحاً للدولة حتى أواخر عهد اسماعيل حيث أصدر قانون سنة ۱۲۸۸ هـ ۱۸۷۱ م سماه « بالمقابلة » وفيه يسمح لواضع اليد على الأرض بالتملك لها بعد أن يدفع أموال الأراضي الخراجية أو العشورية ست سنوات ، ويكون له حق الملكية المطلقة هو وأعقابه والتصرف فيها بكافة أنواع التصرفات الشرعية وهي الميراث والبيع والرهن والوقف والهبة الخ . وبذلك أجاز الخديوي اسماعيل ما لم يكن جائزاً من الفتح العربي الأول إلى سنة ۱۲۸۸ هـ ، وظل قانون المقابلة هذا معمولا به إلى سنة ۱۸۸۰ ، وفي سنة ۱۸۹۹ صدر الأمر بتخويل حق الملكية الصريحة في الأطيان الخراجية والعشورية التي لم تدفع عنها المقابلة ، وبذلك أصبح واضعو اليد ملاکا لأراضيهم الزراعية .

ولما كانت الأرض الزراعية هي أساس ثروة البلاد وعمرانها ومصدر الخراج الذي تجبيه الحكومة سنوياً كان من الضروري عمل مساحة عامة في كل عصر لحصر ما في حيازة كل شخص من الأرض بالفدان وتقدير المال عليه لكل ناحية على حدتها ، وهذه العادة كان معمولا بها قبل فتح العرب لمصر ولما دخلها العرب اتبعوها لمعرفة حساب كل واضع يد على الأرض واستخلاص الخراج منه واستمر الحال على ذلك حتى نهاية عهد اسماعيل حيث بدأت الملكية الصريحة وأصبح الخراج معروفا بالأموال الأميرية أو الأموال المقررة .

وكانت العادة عند الانتهاء من كل مساحة أن تضع الحكومة جدولا بأسماء النواحي التي أصبحت وحدة لتحصيل الخراج أو الأموال المقررة ، هذا عدا القواعد والثغور والمحافظات التي لا يتبعها أرض زراعية وإنما هي نواح ذات إيراد للدولة ، ومن هنا كانت المساحة العمومية هي الأساس الأول لحصر أسماء القرى والبلاد ومقدار مساحة كل بلد ومقدار جبايتها ، ومن عملية المساحة هذه نعلم أسماء البلاد المندرسة وأسماء البلاد القديمة والحديثة .

ولقد عملت المساحة في العهد العربي الأول في خلافة هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي وولاية الوليد بن رفاعة الفهمي على مصر ، وعامل الخراج عبيد الله بن الحبحاب ، وكانت مساحة القطر كله ثلاثة ملايين فدان تقريباً كما ورد في كتاب فضائل مصر المحروسة لعمر بن محمد الكندي ( ص ۲۰۱ ) وفتوح مصر لابن عبد الحكم ص ٥٦ وخطط المقريزي ( ج ۱ ص ۹۸ ) وكان ذلك في سنة ۱۱۰ هـ التي توافق سنة ۷۲۹ م .

وعملت المساحة الثانية في العهد العربي في خلافة المعتز بالله الخليفة العباسي وإمارة أحمد بن طولون ، وعامل الخراج أحمد بن المدبر ، وكانت مساحة مصر حوالي مليونين ونصف مليون فدان تقريباً كما يفهم من عبارة ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة ( ج ١ ص ٤٧ ) وخطط المقریزي ( ج ۱ ص ۹۸ ) وكان ذلك في سنة ۲٥٥ هـ التي توافق سنة ۸٦۹ م .

ولم نعلم من هاتين المساحتين حصراً دقيقاً لعدد القرى في البلاد المصرية وإنما ذكر المقريزي في (ص ۷۳ ج ۱) من الخطط أنه عثر على جريدة عتيقة بخط بولس بن شفا الكاتب القبطي متولي الخراج للدولة الأخشيدية تشتمل على ذکر کور مصر وقراها إلى سنة ٣٤٥ هـ قال فيها إن قرى مصر بالصعيدين وأسفل الأرض ۲۳۹٥ قرية منها بالصعيد ۹٥٦ قرية و بأسفل الأرض ۱٤۳۹ قرية .

وعملت مساحة في عهد الدولة الفاطمية في خلافة المستنصر و إمارة أمير الجيوش بدر الجمالي ، وكان ذلك في سنة ٤۸٣ هـ ونقل أبو صالح الأمني في كتابه الديورة والكنائس من هذه المساحة حصرا إجمالياً لأسماء الأقاليم وعدد قراها ما عدا إقليمي الأخميمية والقوصية . فاذا قدرنا أن عدد النواحي التي كانت بالأخميمية ۲۸ ناحية والقوصية ٥٤ ناحية كما كان عددها في الروك الحسامي الذي سنذكره فيما بعد كان مجموع النواحي والكفور ۲۱٤۸ ناحية بما فيها مصر والقاهرة ، من هذه النواحی ۱٦۰۱ قرية في الوجه البحرى و ٥٤۷ في الصعيد ، ونقل المقريزى تتمة لهذه المساحة عملت في عهد المستعلي بالله ووزارة أمير الجيوش الأفضل ومتولى الخراج محمد بن فارس البطائحي ، وكان ذلك في سنة 490 م التي توافق ۱۰۷۹ م ولم ينقل أبو صالح أسماء البلاد في تاريخه بل ذکر الأعمال فقط أي المديريات وحصر بلادها حصراً إجمالياً دون ذكر الأسماء .

وبعد نهاية الدولة الفاطمية عملت مساحة عامة في عهد الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي ووزارة القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني في سنة ٥۷۲ هـ التي توافق سنة ۱۱۷۷ م وهي الباب الثالث من كتاب قوانين الدواوين للخطير أسعد بن مماتي ، وقد جاء حصراً تاماً للبلاد المصرية بأسمائها في الأعمال أي المديريات على النحو الموضح بعد في مساحة حسام الدين لاجين سنة ٦۹۷ هـ التي توافق ۱۲۹۸ م بریاسة وزيره التاج الطويل كما ورد في الخطط المقريزية (ج۱ ص۸۷) والنجوم الزاهرة (ص ٤۸۸ و ۲ ٥۰ ج ۸) وهذا هو الروك الحسامي الذي وصلت إلينا نتيجة عمليته المساحية في كتاب تحفة الإرشاد ، وهي المخطوطة التي اكتشفها واضع هذا القاموس في مكتبة الأزهر سنة ۱۹۳۲ ونقلها بخطه وجعلها أساساً لأبحاثه في تاريخ القرية المصرية ، حيث اتضح له أنها أقدم کتاب عربي مخطوط ظهر شاملا لأسماء القرى المصرية ومنقولا عن جداول رسمية وضعتها حكومة المنصور حسام الدين لاجين ، والكتاب غفل من ذكر المؤلف ، وهذا الكتاب مقسم إلى قسمين القسم الأول منه أسماء البلاد المصرية المتشابهة مرتبة على الحروف الهجائية والقسم الثاني يشمل أسماء البلاد المصرية مرتبة على الحروف الهجائية في كل إقليم على حدته بحسب التقسيم الجغرافي المعمول به في عصر المماليك . وجد المؤلف هذه النسخة مكتوبة بخط ردئ مملوءة بالأغلاط ، ولكنه لحسن الحظ وجد الجزء الثاني منه في مكتبة المعهد العلمي بدمياط سنة 1933 في نسخة مخطوطة منقولة عن نسخة رسمية أيضاً ولكن خطها أحسن وأسماء البلاد فيها ظاهرة وغلطها قليل ، وقد اطلع عليها السيد مرتضي الزبيدي المتوفي سنة ۱۲۰٥ هـ ونقلها في كتابه تاج العروس ، وبفحص هذا الكتاب اتضح أنه يشمل أسماء القرى والبلاد لغاية آخر القرن السابع الهجري مما يدل على أنه سجل الروك الحسامي بدليل أنه ذكر في اسم الظاهرية قريتين مستجدتين والظاهر بيبرس حكم مصر من سنة 658 إلى سنة 676 هـ أي قبل الروك الحسامي باحدى وعشرين سنة فقط . وبلغ عدد البلاد في تحفة الإرشاد ۲۰۷۱ قرية منها 1541 في الوجه البحرى و ۳۰ه في الوجه القبلى . و بمقارنة هذا الحصر بحصر سنة 483 هـ الذي نقله أبو صالح الأرمني تبين أن النواحي المذكورة في حصر أبي صالح الأرمني باسم کفور أي توابع تحولت إلى نواح مالية ، أي فصل لها زمام خاص بدفتر مساحة خاصة بعد أن كانت توابع أي مشتركة مع غيرها في الزمام ، وقد كانت قرى مصر في حصر سنة 483 هـ من غير الواحات ۲۱٤۸ قرية فأصبحت في الروك الحسامي سنة ٦٩٨ هـ ۲۰۷۱ قرية ، وهذه النواحي التي وردت في الروك الحسامي ذكر فيها نواحي الواحات وقدرها ۲۰ ناحية لم ترد في حصر سنة ٤۸۳ هـ فيكون نقص الروك الحسامي عن الذي قبله ۹۷ ناحية ، وهذه النواحي التي ألغيت وحدتها المالية قد تكون خربت أو أضيفت إلى غيرها من النواحي .

ولقد عملت المساحة العامة للقطر كما ذكرها المقريزي في خططه (ص ۸۷ ج ۱) وسماها بالروك الناصري لأن الذي أمر به الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وهذا الروك شمل أسماء جميع القرى المصرية في سنة ۷۱٥ هـ الموافقة لسنة ۱۳۱٥ م وقد ذكر المقريزي أن هذا الروك ظل معمولا به حتى بعد أن تلاشت مصر بالحوادث والمحن سنة 806 هـ في حكم الملك الناصر فرج ابن برقوق . كانت الأراضي الزراعية ملكا للحكومة وكان لواضع اليد حق المنفعة فقط ، ولكن الملك الناصر محمد بن قلاوون رأى أن الأراضي المصرية موزعة على المقطعين والزراع توزيعاً غير عادل فأمر بتوزيعها من جديد ، لأن رقعة البلاد الزراعية اتسعت في عهده اتساعاً عظيماً نتيجة لإصلاح طرق الري والزراعة واستبحار الحضارة والعمران في عصره الذهبي في تاريخ مصر الإسلامية كلها فظهرت بلاد جديدة كما ازداد عدد التوابع زيادة عظيمة ، ولقد كانت نتيجة هذا الروك أوسع المصادر التي وصلت إلينا فيما يختص بأسماء البلاد المصرية ومقدار زمامها أي أرضها الزراعية بالفدان والمقدر عليها من الخراج المسمى « بالعبرة » في اصطلاحهم .

حقيقة لم نعثر على النسخة الأصلية لسجل الروك الناصري بين الكتب المخطوطة أو المطبوعة إلا أنه تبين لنا من البحث أن هذا الروك تجددت كتابة نسخته الأصلية مرة ثانية في سنة ۷۷۷ هـ التي توافق ۱۳۷٥م في أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين بن قلاوون ، ثم تجددت مرة ثالثة وهي الأخيرة في أيام الملك الأشرف قايتباي سنة ۸۸۳ هـ التي توافق سنة ١٤۷۷ م في صورة الكتاب المسمى بالتحفة السنية بأسماء البلاد المصرية للشيخ شرف الدين يحيى بن الجيعان مستوفي دیوان الجيش للملك الأشرف قايتباي مع إثبات التغيير الذي حصل في أسماء واضعي اليد أي المقطعين من سنة ۷۷۷ إلى سنة ۸۸۳ هـ ، وهو الكتاب الذي طبعته دار الكتب المصرية سنة ۱۸۹۸ بعناية الدكتور مورتز الألماني الذي كان مديراً لدار الكتب إذ ذاك ، بعد أن طبعه في باريس المستشرق الفرنسي سلفستر دی ساسي سنة ۱۸۱۰ مع رحلة عبد اللطيف البغدادي إلى مصر في فجر القرن السابع الهجري وسماهما ( حالة مصر ) وكتاب التحفة هو آخر مصدر رسمي لأسماء المدن والقرى المصرية المعتبرة وحدة مالية حتى آخر عصر المماليك .

ولقد حاول ابن دقماق في كتابه الانتصار في الجزءين اللذين طبعتهما دار الكتب المصرية بعناية الدكتور مورتز أيضاً أن يحصي أسماء البلاد المصرية فسقط من إحصائه إقليم الفيوم وبلاد كثيرة من إقليمي الغربية والبحيرة ، إلا أنه تدارك هذا النقص في كتاب آخر وضعه قبيل وفاته سنة 809 هـ سماه قوانين الدواوين على اسم كتاب ابن مماتی و زير صلاح الدين ، وقد أضاف إليه جدولا شمل أسماء البلاد المصرية مرتبة على الحروف الهجائية في كل إقليم على حدته بحسب التقسيم الجغرافي المعمول به في ذلك العهد ، و بلغت بلاده ۲٥۳۲ قرية في ريف مصر وصعيدها . لكن ابن الجيعان في كتابه التحفة السنية كان أوفى تفصيلا فقد قال في مقدمة كتابه « ذكرت كل ما بإقليم مصر من البلاد وعبرة كل بلد على ما استقر عليه العمل في أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين بن قلاوون ، فان تغيرت العبرة أي الضريبة العقارية ذكرت عبرتها الآن أي سنة ۸۸۳ هـ ثم أشرت في كل بلدة إلى من كانت في يده من المقطعين أي الملتزمين الخ » فاذا عرفنا أنه آخر إحصاء رسمي للبلاد المصرية في عهد حكومة الماليك أمكن لنا اعتباره أوفى مصدر وصل إلينا من هذا النوع من الكتب ، ولهذا اتخذه مؤلف هذا القاموس وثيقة رسمية بين ماظهر قبله وما ظهر بعده ، أي اتخذه دليلا للمقارنة بين الماضي والحاضر أو القديم والحديث.

وبحصر النواحي في كتاب التحفة السنية اتضح أنها ۲٤۸۰ قرية بما فيها ۱۹۷ قرية مشتركة مع غيرها في الزمام ، منها في الوجه البحرى ۱۷۳۹ قرية ، وفي الوجه القبلى ٧٤١ قرية ، بخلاف تسع وحدات ذات إيراد مع أنها حرف عليها رسوم أميرية فقط ، وهي في ضواحي القاهرة الكيزان والمجزرة ومعمل الزجاج ومسبك الفولاذ ، وفي ضواحي الإسكندرية الزكاة العلوية والزكاة ببرقة ، والكيس والسعية والضريبة وثلاثتها نوع من الجباية يحصل من العربان المتجولين بين مصر وبرقة، والعداد والمراعي والعشر وثلاثتها رسوم كانت مقررة على رعاة الإبل في أراضي الحكومة ، وجهة الفيوم وهی بركة الصيد . فاذا كانت النواحي المالية في تحفة الإرشاد ۲۰۷۱ ناحية وفي كتاب التحفة السنية ۲۲۸۳ إذا استنزلنا من الأصل ۱۹۷ ناحية مشتركة مع غيرها في الزمام أصبحت النواحي التي ظهرت من استصلاح الأراضي الزراعية وإصلاح طرق الري والمواصلات ۲۱۲ ناحية ، أما النواحي التي لم تذكر في التحفة السنية مع سبق ذكرها في تحفة الإرشاد أي التي ألغيت وحدتها المالية في الروك الناصري فهی ٤٢٧ ناحية كان من حسن حظ الباحثين أنها ذكرت في التحفة السنية مع النواحي الجديدة لسهولة الإرشاد عنها ، ذلك لأن الغرض الوحيد من المساحة العمومية قديماً وحديثاً هو محاسبة واضعي اليد سواء أكانوا مقطعين أم ملتزمين أم ملاك أم نظار وقف على الخراج المقرر ، ومن هنا كان المساح لا يهتم غالباً بتصحيح أسماء القرى الدارسة بل كان يكتب اسمها على أراضيها أو توابعها من کفور وعزب ، فاذا خلت من ذلك كله كتبوا عبارتهم المألوفة ( غيط من غير حيط ) واطردت هذه الحال إلى تاريع محمد علي ، وحتى في عصرنا الحالي لاتزال نرى قرى مع أختها كأبوحماد والمسيد ، والحي والحصار وهلم جرا .

وقد بلغ مجموع عدد القرى القديمة — أي التي كانت موجودة الى نهاية عصر المماليك وظلت قائمة الى اليوم — في هذا القاموس الجغرافي لنهاية سنة 1943 م ۲۱۷۱ منها في الوجه القبلي ۷۰۷ وفي الوجه البحرى 1436 وفي مصلحة الحدود ۲۸ قرية .

القرية الحديثة

بعد دخول العثمانيين مصر أمر السلطان سليمان القانوني بعمل مساحة جديدة للأراضي المصرية في سنة 930 هـ وتمت في ولاية سليمان باشا الخادم على مصر وبمباشرة الأمير كيوان في سنة ۹۳۳ هـ كما ورد في كتاب الإسحاقي أخبار الأول ص ۱٥۰ ، وقد عمل فيها حصر جديد للأراضي الز راعية وما تجبيه من الخراج ، وفيه قسمت الأراضي الواسعة إلى قرى صغيرة لكل ناحية زمام خاص بها أي وحدة مالية جديدة ، فزاد عدد القرى زيادة ظاهرة وعلى الأخص في الصعيد عن قرى الروك الناصري ، قال الإسحاقي : « ضبط الأمير کيوان أرض مصر كل إقليم على حدته من الأطيان والرزق والأوقاف والإقطاعات وكتب بذلك دفاتر محررة وضعت بديوان مصر تسمی دفاتر ترابيع سنة ۹۳۳ على أساس الفدان ٤٠٠ قصبة مربعة » ولم نعثر على هذه الدفاتر ولكن بمقارنة ما ورد في كتاب الحملة الفرنسية على كتاب التحفة السنية ، وبناء على ما ورد في كتاب تاج العروس للزبيدي المتوفى سنة ۱۲۰٥ هـ ، وكان رحالة جاب بلاد القطر من أقصاه إلى أقصاه وأثبت قرى في كتابه لم يسبق نشرها في كتاب من الكتب السابقة على العهد العثماني ، وبناء على ما ورد في دفتر مخطوط وجده المؤلف في دار المحفوظات بالقلعة عنوانه ( دفتر أسماء نواحي الولايات في سنة ۱۲۲٤ بخط ابراهيم الحصاري ) أي في أوائل حكومة محمد علي وهو سجل لأسماء بلاد القطر المعتبرة وحدة مالية في تلك السنة ، وهذا الدفتر يشمل أسماء البلاد المصرية الواردة في كتاب التحفة السنية مضافا إليها أسماء البلاد المصرية التي استجدت في ترابيع سنة ۹۳۳ ثم ما بعدها لغاية سنة ۱۲۲٤ كما أشار إلى ذلك كاتب الدليل المذكور — بناء على ذلك أمكن معرفة أسماء القرى التي استجدت في التربيع العثماني وأكثرها لم يزل موجوداً إلى اليوم ، وقد بلغ عدد النواحي في التربيع المذكور ۲۹۱۷ ناحية وبذلك زاد 634 قرية عن بلاد الروك الناصري منها 451 ناحية استجدت في الصعيد و ۱۸۳ في الوجه البحري . والترابيع قوائم من الورق مربعة الشكل تكتب فيها عملية المساحة في كل قرية ، وبضم ترابيع كل قرية بعضها إلى بعض كانت دفاتر الترابيع التي أشار إليها الإسحاقي في كتابه والتي كان عليها المعول في تقدير الأموال الأميرية وحصر أسماء القرى في العهد العثماني . والترابيع هذه غير المربعات التي كانت في حكومة المماليك ، فقد ورد في صبح الأعشى ( ج ۳ ص ۱٥۳ ) أن المربعة وثيقة مربعة الشكل تعطی لكل صاحب إقطاع يثبت فيها اسمه ومقدار إقطاعه الخ .

ولما تولى محمد علي باشا سنة ۱۲۲۰ هـ وتخلص من واضعي اليد على الأراضي الزراعية من المماليك وغيرهم من الملتزمين ونظار الأوقاف رأى إلغاء الالتزام جملة ووضع ضرائب ثابتة على الأطيان ، فأصدر أمره في سنة ۱۲۲۷ بفك زمام جميع أراضي القطر المصري ومسح كل قرية على حدتها وفصل نواح جديدة من النواحي القديمة و إحصاء جميع النواحي المستجدة والقديمة بأسماء واضعي اليد عليها وقت المساحة في دفاتر خاصة عرفت باسم دفاتر التاريع ، ولم تعمل خرائط ولا رسوم مساحية بل كان القياس بالقصبة ثم يحول إلى الفدان . قال الجبرتي في حوادث سنة ۱۲۲۷ هـ في الجزء الرابع من عجائب الآثار (ص ۱٤۱، ۱٥۳) أخذ ، أي ضم للدولة ، ابراهيم باشا عند عمل مساحة الصعيد 600 ألف فدان من الأراضي المحبسة على المساجد في القاهرة ، وقال في ص ۱۸۳ من الجزء نفسه انتهت حوادث سنة ۱۲۲۸ وفيها صادر محمد علي كل الخيرات التي في الصعيد ، وذكر في حوادث سنة ۱۲۲۹ أن المعلم غالي وزير مالية محمد علي سافر إلى الوجه البحري لعمل المساحة الخ . ومما ذكر يتضح أن مساحة الوجه القبلي تمت سنة ۱۲۲۸ والوجه البحري سنة ۱۲۲۹. ولكن بمراجعة دفاتر التواريع في دار المحفوظات في القلعة اتضح أن مساحة محمد علي تمت في ثلاث سنوات ، في سنة ۱۲۲۸ في الوجه البحري والجيزة ، وفي سنة ۱۲۳۰ تمت عملية المساحة في الفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط ، وفي سنة ۱۲۳۱ تمت عملية المساحة في جرجا وقنا وأسوان ، وقد أطلق اسم تاريع وتواريع على دفاتر المساحة للأراضي الزراعية منذ عهد محمد علي . وذكر السيد مرتضى الزبيدي في كتابه تاج العروس : أن التريع كأمير ما يكتب فيه ريع البلاد، والظاهر أن موظفي ديوان الروزنامه والمساحين في عهد محمد علي أطلقوا كلمة التاريع على دفاتر المساحة لأنها هي الأساس في حصر الأراضي الزراعية التي ينتج منها ريع البلاد أى إيراداتها ، واصطلح الكتاب بعد ذلك على استعمال كلمة تاريع بمعنى مساحة فيقال تاريع كذا أي مساحة كذا ودفتر تاريع سنة كذا أي دفتر مساحة سنة كذا . ولقد اطلع المؤلف على جميع دفاتر التاريع المحفوظة في ديوان دار المحفوظات بالقلعة وفحصها لأغراض علمية واستفاد منها ، ووجد في كل دفتر أمرا باضافة الأموال الخراجية على المزارعين واضعي اليد على الأراضي الزراعية بكل قرية وتكليفهم بتوريد الأموال لجانب الديوان ، وأغلب هذه الأوامر بختم محمد علي وخليل الوهيبي ، وبعضها بختم محمد خسرو الدفتردار والقليل بختم محمد کنج حاكم ولاية الأشمونين .

كانت الحالة الاقتصادية والمالية في أوائل حكم محمد علي في غاية الاضمحلال وطريقة توزيع الأراضي على الأهلين والملتزمين سيئة للغاية ، ولم يكن لتحصيل الأموال الأميرية أي ضابط قبل تاريع سنة ۱۲۲۸ لحصر الأراضي الصالحة للزراعة ، وفي هذا التاريع قسمت البلاد ذات المساحة الواسعة إلى نواح أخرى بزمام خاص ، وبناء على طلب أصحاب الأراضي الزراعية زاد عدد النواحي في أيام محمد علي ۳۳۱ ناحية منها في الصعيد 163 وفي الوجه البحري ۱٦۸ عن التربيع العثماني ، ولم يصرح محمد علي بزيادة النواحي المالية بعد ذلك وإنما صرح بزيادة التوابع من الكفور والأبعاديات والعزب في البلاد ذات الزمام الواسع ليكون المزارعون بالقرب من مزارعهم مع إبقاء هذه التوابع تابعة في الإدارة والزمام للبلاد الأصلية الكائنة في زمامها . ولما تولى سعيد باشا أمر بفك زمام أغلب بلاد القطر من سنة ۱۲۷۰ إلى سنة ۱۲۷٥ لضبط مساحة أطيانها وربط الضرائب على ما يكون ساقط الحصر منها ، فانتهز أصحاب العزب والكفور إطلاق أسمائهم على كفورهم فأجاب طلبهم على شرط ألا تقل أرض الكفر الواحد عن مائة فدان ، وقد فصل من هذه الكفور عدد عظيم من القرى الجديدة بأسماء أصحابها تارة و بأسماء البلاد الأصلية تارة أخرى . وكان المباشر لهذه المساحة الجديدة المهندس بهجت باشا ، وقد تم على يده مساحة المنوفية والغربية وبني سويف وعمل لها خرائط مساحية حديثة ، واستمرت دفاتر تاریع بهجت باشا مستعملة في الصعيد حيث يعم ري الحياض ويصعب تعيين حدود الممتلكات وتقسيمها بعد انحسار مياه الفيضان عنها . وقد استمرت كلمة تاريع تطلق على دفاتر المساحة إلى آخر عهد سعيد باشا ، وفي سنة 1864 م صدر قرار بأن لا يفك زمام إلا بأمر عال وإذا وجدت مساحة جديدة تكون من حق الحكومة . ولم تكن هناك مصلحة للأعمال المساحية منذ الفتح العربي الأول إلى سنة ۱۸۷۹ وهي السنة التي أسست فيها مصلحة التاريع ، وكان عمال المساحة من المساحين والقياسين في عهد حكومة سعيد والحكومات التي قبلها مقيمين في بلادهم تحت طلب الحكومة ، وقد زاد عدد النواحي ذات الوحدة المالية في تاريع سعيد باشا عن تاريع محمد على ٤۷۲ ناحية بعد حذف ۱٦٦ ناحية ألغيت وحدتها المالية من تاريع محمد علي ، وكانت جملة النواحي في تاريع سعيد ۳٥٥٤ ناحية منها في الصعيد ۱۳۹۸ ناحية ، وفي الوجه البحري ۲۱٥٦ ناحية . وكانت جملة النواحي في تاريع محمد علي ۳۰۸۲ ناحية منها ۱۲۱۷ ناحية في الصعيد و۱۸٦٥ في الوجه البحري . ومنذ سنة ۱۲۷٥ هـ وجدت النواحي الإدارية وكانت النواحی قبلا كلها مالية فقط ، وكان عدد النواحي في أيام الوالي سعيد ۳٥٥٤ ناحية أضيف إليها ۸۰ ناحية إدارية ، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ تكوين البلاد المصرية التي أنشئت فيها نواح إدارية لم يفرزها زمام خاص أي لم تكن ذات وحدة مالية بين القرى غير المدن التي هي قواعد الأقاليم ؛ وفي سنة ۱۸۸۲ عملت إحصائية لسكان القطر المصري على أساس تاریع سعيد باشا فكانت جملة النواحي ۳٦۳۹ ناحية مالية وإدارية ، وفي سنة ۱۸۸۰ تم طبع أقدم حصر للمديريات والمحافظات في الجدول الملحق باختصاص المحاكم الشرعية . وكانت جملة النواحي فيه ۳۸۳۳ ناحية ما بين قرية ومحافظة ، وفي أواخر حكم الخديوي إسماعيل أمر السير رفرس سنة ۱۸۷۸ بعمل لجنة لدراسة الأعمال المساحية ورأت هذه اللجنة عمل مساحة تفريدية تفصيلية خراجية يتبع فيها المقاسات الصحيحة على أحدث الطرق العلمية الفنية الدقيقة لتحديد الممتلكات وإثبات ذلك على خرائط مساحية تعين بالضبط موقع وشكل كل قطعة مساحية باسم صاحبها وحصر أطيان الحكومة وحدها وفرز درجات الأطيان لاستئصال الغبن الواقع على واضعي اليد ، وفي سنة ۱۸۷۹ عين المستر کلفن مديراً لها وفي السنة نفسها قررت إنشاء تاريع عموي لكل جهات القطر . وفي سنة ۱۸۸۰ استعمل الجنزير في مساحة الأراضي الزراعية ولم يستحسنه الأهالي لأول وهلة لعدم ثقتهم بنتائجه ، ثم تولى إدارة التاريع الجنرال الأمریکي ستون باشا ثم المسيو لوغود فالسير هيوز ، وفي سنة ۱۸۹۲ بدأ العمل بفك زمام مديريتي الشرقية والبحيرة وحتى سنة ۱۸۹٦ لم يتم فك الزمام المطلوب .

بعد سبعة عشر عاما من سنة ۱۸٧۹ إلى سنة ۱۸۹٦ لم تحصل الحكومة على فائدة نهائية من عمل المساحة العامة فاستدعت المهندس الانجليزي الشهير الذائع الصيت المستر فولر الذي مسح البلاد الهندية للهيمنة على عمل المساحة المصرية ، وبعد أن طاف بلاد القطر رسم جهازاً مساحياً دقيقاً يؤدي إلى إجراء المساحة التفصيلية بطريقة علمية صحيحة ، ثم عاد لبلاد الهند سنة ۱۸۹۷ بعد أن أدخل على طريقة المساحة المصرية عملية الترافرس بالتودیلیت وعملية تحشية الأراضي بالغيط وكيفية عمل حساب مسطح كل قطعة ، وتولى إنجاز ذلك كله المهندس الانجليزي ليونس مدير المساحة المصرية ، فقام بما أشار به المستر فولر على الأساس العلمي الصحيح والقواعد الفنية الدقيقة وأمر بابطال القصبة نهائياً واستعمل الجنزير الذي طوله خمس قصبات ، وفي سنة ۱۸۹۸ صدر منشور بإبطال قصبة الغاب من الأعمال المساحية بالمديريات واستبدالها بالجنزير المستعمل في مصلحة المساحة من أول يناير سنة ۱۸۹۹ إلى الآن ، وبذلك اختفت القصبة نهائياً من دواوین الحكومة وفروعها بعد استعمالها قروناً وأجيالا في مساحة الأراضي الزراعية ، ويعد اختفاؤها من أكبر الحسنات في تاريخ مصر الزراعي .

ولقد استمرت عملية المساحة الجديدة من سنة 1899 إلى سنة 1906 وألغيت فيها ۲٥۱ وحدة مالية رأت مصلحة المساحة أن زمامها متداخل في زمام البلاد المجاورة لها فاعتبرتها ناحية مالية واحدة باسم مشترك في الخريطة المساحية وفي دفتر المساحة ودفتر المكلفة ، كما أنشأت ۸۲ وحدة مالية جديدة فصلتها بزمام خاص وهي من ضمن النواحي الإدارية التي بلغ عددها ۳٥۹ ناحية لغاية نهاية سنة 1906 ، وكانت النتيجة النهائية للمساحة العمومية من سنة ۱۸۹۹ إلى سنة 1906 مایلي : نواح مسحت أراضيها وعمل لها خرائط مساحية ودفتر مساحة ودفتر مكلفات وهی ۳٤۳۰ ناحية منها في الصعيد ۱۳۸۷ ناحية وفي الوجه البحرى ۲۰٤۳ ناحية ، وفي سنة 1909 نشرت وزارة المالية جدولا به إحصاءات عمومية تفصيلية عن أسماء هذه النواحي وأسماء أحواضها ومقدار الضريبة المالية المفروضة عليها . ونشرت المالية أيضاً جدولا آخر بأسماء البلاد المصرية سنة ۱۹۱۰ فكان مجموع البلاد فيه ۳۷۷۹ ناحية منها ۳٤۳۲ ناحية مالية و ۳٤۷ ناحية إدارية وفي سنة ۱۹۲۸ أصدرت وزارة الداخلية جدولا بأسماء البلاد المصرية فكان مجموعها ۳۹۸۳ ناحية منها ۲۳٤٦ في الوجه البحرى و ۱٦۳۷ ناحية في الصعيد وفي سنة ۱۹۳۳ كانت جملة النواحی ٤۱۱۱ ناحية منها ۳٦۷٥ ناحية مالية و 436 ناحية إدارية كما بلغت جملة النواحي القديمة والحديثة لغاية نهاية سنة ۱۹٤۳ م ٤۲۹۳ ناحية منها في الوجه البحري ۲٤٥۰ ناحية وفي الوجه القبلي ۱۷٥٥ ناحية وفي مصلحة الحدود ۸۸ ناحية وبلغت جملة النواحي الإدارية ۳۷۲ ناحية منها ۱۸۲ ناحية في الوجه البحري و ۱۹۰ في الصعيد .

وكانت جملة النواحي الحديثة لغاية نهاية سنة ۱۹٤۳ م ۲۰۹۲ ناحية منها ۱۰۲۹ ناحية في الوجه القبلي و ۱۰۰۳ ناحية في الوجه البحري و٦۰ ناحية في مصلحة الحدود .

التقسيم الجغرافي للبلاد المصرية

تنقسم البلاد المصرية من الوجهة الطبيعية إلى قسمين رئيسيين هما الوجه البحري أو أسفل الأرض أو مصر السفلى أو الريف ، وهو ما كان في شمال مدينة مصر ، والوجه القبلي أو أعلى الأرض أو الصعيد وهو ما كان من جهة الجنوب من مدينة مصر ، وكل قسم منهما ينقسم إلى أقسام صغيرة الغرض منها سهولة حكم الإقليم وجبي ضرائبه والإشراف على شؤونه . ولما كانت مساحة الدلتا وتوزيع فروع النيل تتغير تبعاً لتطور النهر في الزمن القديم فقد كان هذا التقسيم عرضة للتغيير والتبديل في العصور التاريخية التي تعاقبت على هذا الإقليم . أما في الوجه القبلي فقد كانت التغييرات مقصورة على الحدود الفاصلة بين حياض الري في الصعيد ، وكان اتساع العمران في الأراضي الزراعية بسبب تنظيم طرق الرى دافعاً إلى زيادة عدد السكان في بعض المناطق وكان خراب القرى لإكمال تطهير الترع وعدم وصول المياه إلى أراضيها سبباً في قلة السكان في البعض الآخر ، هذا إلى أن الاعتبارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كان لها تأثير كبير في تغيير حدود الأقسام الجغرافية . ولقد كانت الوحدة الإدارية السياسية قائمة في عصر البطالسة فالرومان على النوم Nome وهي كلمة يونانية أطلقت للدلالة على الكلمة المصرية هسبو Hespo ومعناها القسم ، وليس لهذه الوحدة من مشابه في عصرنا الحاضر لأنها تدل على وحدة إدارية أصغر من مساحة المديرية وأكبر من مساحة المركز ، وينقسم النوم إلى عدة قرى يطلقون على الوحدة منها كلمة كوما Coma ، وكان يشرف على إدارة النوم حاكم يعرف بالنومارك يجمع الضرائب ويشرف على الإدارة العامة ويعاونه في ذلك قضاة وموظفون وكتبة ، وكان لكل من هذه الوحدات الإدارية القديمة آلهة وقسس يقيمون الشعائر الدينية في الحفلات الرسمية ، فكان الأهلون في منديس يقدسون التيس ، على حين كان أهل الفيوم يقدسون التمساح ، بينما كان أهل طيبة يقدسون الكبش ، وكثيراً ما كانت تنشب الحروب بين أهل كل نوم وآخر بسبب هذه المعبودات المختلفة . ولما جاء العرب أطلقوا كلمة كورة على النوم ، وكانت الكورة تكبر وتصغر بحسب ظروف الزمان والمكان وتفاوت الحضارة والعمران ورغبة الحكومة القائمة بالأمر أو حكام الأقاليم في إنشاء أو إلغاء كل أو بعض الأقسام الإدارية السياسية الأغراض خاصة أو عامة ، وكانت مصر مقسمة إلى ثمانين كورة قبل حكم الدولة الفاطمية وفي صدرها ، ولاعتبارات رآها رجال الخليفة الفاطمي المستنصر قسم القطر إلى ۲۳ كورة كبيرة تشمل الثمانين كورة الصغيرة ، وهي التي أسمتها حكومة المماليك عملا فيما بعد ، ويرادف كلمة الكورة في عصرنا الحاضر كلمة مركز ، وهي كلمة قديمة مستعملة من القرن التاسع الهجري بمعنی دار الشرطة أو نقطة البوليس كما هو الحال الآن ( انظر الخطط للمقريزي ج ۲ ص ۱٦۱ ) ويرادف كلمة العمل المديرية في عصرنا الحالي ، وكانت المديرية على عهد العرب الأول تسمى إقليما ، وأقدم تقسیم عرف بالأقاليم على عهد العرب هو ماذكره المقدسي المتوفي سنة ۳۷٥ هـ فقد قسم مصر إلى سبعة أقاليم ، أولها الجفار وقاعدته الفرما وآخرها الواحات ، وفي المقريزي ( ج ۱ ص ۸۲ ) قائمة محررة سنة 585 هـ أي في أوائل عهد الأيوبين فيها 16 عملا في الوجه البحري و11 في الصعيد ولقد ذكر ابن خرداذبه المتوفى سنة ۲٦۰ هـ أعمال مصر في كتابة المسالك والممالك وذكرها اليعقوبي المتوفى سنة ۲۸۰ في كتابه البلدان ، وذكرها الهمذاني المتوفي سنة ۲۸٥ هـ وقدامة المتوفى سنة ۳۱۰ هـ في كتابهما البلدان أيضاً ، وذكرها المسبحي المتوفى سنة ٤٢٠ هـ في كتابه أخبار مصر وذكرها القضاعي المتوفى سنة ٤٥۲ هـ في كتابه المختار ، كما عدها ابن مماتي المتوفى سنة 606 هـ في كتابه قوانين الدواوين ، وصاحب تحفة الإرشاد الذي كتبها سنة 698 هـ وابن دقماق المتوفى سنة ۸۰۹ هـ في كتابيه الانتصار وقوانين الدواوين ، وصاحب صبح الأعشى المتوفى سنة ۸۲۱ هـ في ص ۳٦۹ ج ۳ كما عدها صاحب التحفة السنية المتوفى سنة ۸۸٥ هـ والظاهري خليل وغيرهم . وكان أقصى ما بلغت إليه الأعمال أي المديريات في عهد العرب والترك والجراكسة ۲٦ عملا ثم تناقصت إلى أن بلغت ۱٥ عملا ، وكان أقصى ما وصلت إليه الكور ۸۰ كورة . وجاء عد الكور في كتابي ابن خرداذبه واليعقوبي وفي صبح الأعشی ( ج۳ ص ۳۷۹ ) نقلا عن القضاعي ، وفي خطط المقریزي ( ج ۱ ص ۷۲ ) وما بعدها ، كما عد الكور الدمشقي المتوفى سنة ۷۲۷ هـ نقلا عن المسبحي ، وابن دقماق نقلا عن ابن حوقل المتوفى سنة ۳٦۷ ، وكان عدد الكور والأعمال يزيد وينقص تبعاً للتغييرات الإدارية التي يستدعيها نمو السكان وحالة الأعمال . ومن الواضح أن كل كاتب جغرافي من الذين نقلنا عنهم هذه الإحصاءات عن الكور والأعمال والقرى كان ينقل عن الكتب التي اطلع عليها لا حسب عددها الحقيقى — على الطبيعة — في عصره ، ما عدا الموظفين الرسميين من هولاء المؤرخين . وكان لكل عمل مدينة تعتبر قاعدة له ، وكانت كل كورة تشمل عدداً من القرى ، وكل قرية معتبرة وحدة مالية وإدارية معاً . وكان المصريون من الفراعنة يتراوحون من ٦ إلى ۱۲ مليوناً من الأنفس ، وكانت مصر مقسمة إلى قسمين كبيرين هما الوجه البحري والصعيد ، وكان في الوجه البحري ۲۰ قسما وفي الوجه القبلي ۲۲ قسما ، وعدد القرى في الوجهين ۲٥۰۰ قرية منها حوالى الألف قرية كبيرة وحوالى الستين مدينة بما فيها الثغور ، أما أيام البطالسة والرومان فكان السكان يتراوحون من ٧ ملايين إلى عشرة ملايين وكانت مصر مقسمة في عهدهم إلى ثلاثة أقسام كبيرة هي الوجه البحري وكان مقسما إلى ۳۳ قسما إدارياً ومصر الوسطى وكانت مقسمة إلى 7 أقسام ومصر العليا وكانت مقسمة إلى ١٤ قسما . وكان مجموع الأقسام في عهد البطالسة ٥٤ قسما . وأبقى الرومان على تقسيم اليونان مصر إلى الأقاليم الثلاثة الكبار ، ولكنهم قسموا الوجه البحري إلى ۲۲ قسما بدلا من ۳۳ وجعلوا مصر الوسطى ٦ أقسام ومصر العليا ۸ أقسام فكان مجموع الأقسام في صدر العهد الرومان ۳٦ قسما . وبعد انقسام دولتهم إلى قسمين كبيرين ، الدولة الرومانية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية ، والدولة الرومانية الغربية وعاصمتها روما ، تبعت مصر للأولى فأعادت تقسيمها إلى ستة أقسام كبيرة : ٢ في الوجه البحري وأربعة في الصعيد . أما إقليما الوجه البحري فهما إقليم أوجستامنيك و إقليم مصر والأول يتكون من أبروشيتين هما أبروشية قسم أول وتتكون من سبعة أقسام وقاعدتها مدينة بيلوز أي الفرما ، وأبروشية قسم ثان وتتكون من ستة أقسام وقاعدتها مدينة ليونتو ومكانها تل المقدام بمركز ميت غمر . وأما إقليم مصر فكان مكوناً من أبروشيتين هما أبروشية قسم أول وتتكون من عشرة أقسام وقاعدتها مدينة الإسكندرية ، وأبروشية قسم ثان وتتكون من عشرة أقسام وقاعدتها مدينة كباسا وهي شباس الشهدا بمركز دسوق ، فكان مجموع أقسام الوجه البحري ۳۳ قسما بخلاف إقلیمي برقة وبني غازي اللذين كانا تابعين لمصر في ذلك العهد . وأما الأقاليم الأربعة في الوجه القبلي فهي أبروشية أركاديا وتتكون من ثمانية أقسام وقاعدتها مدينة اكسرنخوس وهي البهنسا بمركز بني مزار ، وأبروشية طيبة السفلى وتتكون من تسعة أقسام وقاعدتها مدينة انطينو وهي أنصنا التي كانت بأرض الشيخ عباده بمركز ملوي ، وأبروشية طيبة الوسطى وتتكون من ۱۲ قسما وقاعدتها مدينة بطولیمایس وهي المنشاة بمركز جرجا ، وأبروشية طيبة العليا وتتكون من أربعة أقسام وقاعدتها مدينة أسوان ، وكان مجموع أقسام الوجه القبلي ۳۳ قسما . وكان عدد السكان في زمن الفتح العربي لايتجاوزة ٦ ملايين نفساً ، ولما استولى العرب على مصر أطلقوا اسم أسفل الأرض على الوجه البحري واسم الصعيد على الوجه القبلي ، ثم أبدلوا اسم أوجستامنيك باسم الحوف ، وأطلقوا على إقليم مصر اسم الريف ، وجعلوا الحوف ۱٤ كورة بدلا من ۱۳ قسما كانت في عهد الرومان كما جعلوا الريف ۳۱ كورة بدلا من العشرين قسما فكان المجموع ٤٥ كورة في الوجه البحري ، أما الصعيد فجعلوه ۳۰ كورة أي أن مجموع الكور في الوجهين كان ۷٥ كورة ، وفي القرن الثالث الهجري قسم الوجه البحري إلى ٣ أقاليم كبرى وهي الحوف الشرقي وقاعدته مدينة بلبيس ويتكون من ١١ كورة ، وبطن الريف ويتكون من ۲۰ كورة ، والحوف الغربي ويتكون من ١٥ كورة وقاعدته مدينة الإسكندرية ، فكان مجموع الكور في الوجه البحرى ٤٦ كورة بخلاف كورة لوبيه غربي الإسكندرية و۳ كور أخرى هی كورة القلزم ( السويس ) وكورة الطور ، وكورة إيام ومدين من بلاد الحجاز حيث كانت تابعة لمصر في ذلك الوقت ، وكان في الصعيد ۳۰ کورة فكان مجموع الكور في مصر وتوابعها إلى آخر الدولة العباسية وصدر الدولة الفاطمية ۸۰ كورة . وفي النصف الثاني من القرن الخامس الهجري رأي رجال الخليفة الفاطمي المستنصر إبدال تقسيم القطر كله من كور صغيرة إلى كور كبيرة بلغت ۲۲ كورة ۱۲ في الوجه البحري وعشرة في الصعيد ، وهذا التقسيم هو الأساس الذي ظلت تدور في فلكه التقسيمات السياسية الإدارية إلى الآن أي قرابة ألف من السنين ، وبلغ فيه عدد القرى في الوجهين ۲۱٤۸ قرية منها ۱٦۰۱ في الوجه البحري و ٥٤۷ في الصعيد بخلاف الثغور كما رواه لنا أبو صالح الأرمني المتوفى سنة ٥٥٠ هـ في كتابه الأديرة والكنائس . ثم احتفظ الأيوبيون بهذا التقسيم وأضافوا إليه كورتين أخريين هما كورة الدنجاوية في إقليم الغربية وكورة الكفور الشاسعة باقليم حوف رمسيس ، وبذلك أصبح عدد الكور ۲٤ كورة . وكان عدد السكان في حكم دولتي المماليك الأتراك والجراکسة يتراوح بين ٦ مليون و ١٦ مليوناً من الأنفس ، وفي سنة ۷۱٥ هـ أصدر الملك الناصر محمد بن قلاوون مرسوماً قرر فيه أن يفك زمام القطر المصري — ويسمى هذا المرسوم بالروك الناصري — وأن تسمى الكورة عملا مع تعديل التقسيم الإداري السياسي وجعل الأعمال ۲۱ عملا بدلا من ۲٤ كورة ، فكان الوجه البحرى ۱۲ عملا منها ۳ أنشئت في تلك السنة وهي القليوبية وضواحي القاهرة وقد فصلتا من كورة الشرقية . ثم ضواحي الإسكندرية وقد فصلت من كورة رشید ، وكورة البحيرة . وأمر الملك الناصر كذلك بضم كورة المرتاحية إلى كورة الدقهلية وجعلها عملا واحداً باسم أعمال الدقهلية والمرتاحية . وأطلق على كورة الأبوانية اسم ضواحي ثغر دمياط . وأمر بضم كورة السمنودية والدنجاوية وجزيرة قوسنيا إلى أعمال الغربية ، وضم نواحي حوف رمسيس والكفور الشاسعة إلى أعمال البحيرة . وأمر بجعل الوجه القبلي تسعة أعمال بعد ضم كورة البوصيرية إلى كورة البهنساوية . وأنشأ الأعمال المنفلوطية . ويمكن مراجعة الكور والأعمال بالتفصيل من تعليقات المؤلف عليها في الصفحات ۳۸ و ۳۹ و ٤٠ و٤٢ من الجزء التاسع من النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ، وكان هذا التقسيم الجغرافي هو الذي استقر عليه الحال طول حكم دولتي المماليك ، وقد أحصى ابن الجيعان قرى القطر في كتابه التحفة السنية في سنة ۸۸۳ هـ وعددها ۲۲۸۳ قرية غير المشتركة مع غيرها في الزمام، وفي سنة ۹۳۳ أي في أوائل الحكم العثماني فك زمام القطر المصري وهو الذي عرفت دفاتره باسم الترابيع وغيرت فيه كلمة أعمال وكور باسم ولاية ، وقسم القطر كله إلى ۱۳ ولاية منها ٧ في الوجه البحري و٦ في الوجه القبلي أي ضمت فيه أعمال الأسيوطية والأخميمية والقوصية بعضها إلى بعض وجعلت ولاية واحدة باسم ولاية جرجا ، وكان الوجه البحري يشمل القليوبية والشرقية والدقهلية والغربية والمنوفية والبحيرة والجيزة ، والوجه القبلي يشمل الأطفيحية والفيومية والبهنساوية والأشمونين والمنفلوطية وجرجا هذا بخلاف ٦ محافظات هي الإسكندرية و رشید ودمياط والعريش والسويس والقصير ، وكان يرأس كل ولاية حاكم أو كاشف ويرأس كل محافظة محافظ ، أما القاهرة فكان يرأسها شيخ البلد وهي مقر الوالي التركي ، وسجل فانسلیب الرحالة في القرن السابع عشر الميلادي في الصعيد الأعلى ۲٤ کشوفية وفي مصر الوسطى ٦ كشوفيات وفي الوجه البحري ٦ کشوفيات والمجموع ۳٦ کشوفية ، ودونت الحملة الفرنسية في كتابها وصف مصر ١٦ إقليما في مصر نصفها في الوجه القبلي ونصفها في الوجه البحري بالحدود الآتية : (۱) طيبة من الكلابشة قبلي الشلال إلى فاو بحري دشنا . (۲) جرجا من الرئيسية بمركز دشنا إلى شندويل بمركز سوهاج . (٣) أسيوط من باصونه بحري صليبة السمارنه إلى نزالي جانوب بمنفلوط . (٤) المنيا من القوصية بمنفلوط إلى إطسا بمركز سمالوط . (٥) بني سويف من البيهو بمركز سمالوط إلى آخر حدود مركز الواسطى من بحري . (٦) الفيوم بحدودها الحالية في الصحراء الغربية . (۷) إطفيح في البر الشرقي للنيل من المطاهرة البحرية بمركز المنيا إلى دير الطين قبلي مصر القديمة. (۸) الجيزة من مركز العياط بأكمله في البر الغربي للنيل إلى أبوالخاوي بمركز كوم حماده . وفي الوجه البحرى : (۱) قليوب من أثر النبي إلى بحر مويس بمركز بنها . (٢) الشرقية بحدودها لغاية سنة ١٩١٢ أي قبل إنشاء مركز بنها . (٣) المنصورة من أسنيت بمركز بنها إلى المحالبة بمركز المنزلة . (٤) دمياط مرکز فارسكور والمنزلة من الدقهلية ماعدا الكردي إلى الجمالية ومركز شربين والنصف البحري من مركز طلخا بالغربية . (٥) الغربية بحدودها القديمة قبل تعديل سنة ۱۸۹۸ ماعدا مركز شربين وبحري طلخا . (٦) منوف حسب حدودها القديمة قبل سنة ۱۸۹۷ . (۷) رشید مرکز فوه والنصف البحري من دسوق من الغربية والمحمودية من مديرية البحيرة . (۸) البحيرة بحدودها ما عدا مرکز رشید . ولما تولى محمد على حكم مصر سنة ۱۸۰٥ كانت مصر لا تتجاوز الثلاثة ملايين من الأنفس ، وكان رجال الحملة الفرنسية قد قدروا سكان مصر باثنين من الملايين فقط ، فأمر محمد علي بتقسيم مصر إلى أخطاط يشمل كل خط منها عددا من القرى ، وعلى رأس الخط موظف يسمى حاكم الخط ، ونظراً لاتساع دائرة الولايات وضرورة وجود موظفين للإشراف على أعمال حكام الأخطاط ومشايخ البلاد أمر محمد علي سنة ۱۲۳٦ هـ بتقسيم ولاية البهنسا والأشمونين کلا إلى أربعة أقسام وعين لكل قسم موظفا باسم ناظر قسم ، وكانت هذه أول مرة أنشئت فيها الأقسام أي المراكز في العصر الحديث ، وفي سنة ۱۲۳۸ قسمت ولاية الشرقية والدقهلية والغربية والبحيرة إلى أقسام كذلك وعين لكل قسم ناظر قسم ، وفي سنة ۱۲٤۱ هـ - ۱۸۲٦ م أمر محمد علي بابطال اسم ولاية وأن تستبدل بها كلمة مأمورية ، وكانت ۲٤ مأمورية في الوجه البحري و١٠ في الوجه القبلي ، وكل مأمورية قسمت إلى قسمين فأكثر حسب اتساع دائرتها ، ويرأس كل مأمورية موظف باسم مأمور كما يرأس القسم ناظر القسم ، ولما رأی محمد علي أن اسم المأمورية بدل في معناه على أنه أصغر من الولاية أصدر أمراً في أول سنة ۱۲٤۹هـ - ۱۸۳۳ م بتغيير كلمة مأمورية إلى مديرية وهو الاسم المعتمد إلى اليوم في تسمية الأقاليم المصرية ، وجعل المديريات ١٤ مديرية يرأس كلا منها مدير ، و بذلك رجع محمد علي إلى تقسيم البلاد الجغرافي على عهد الفاطميين فالأيوبيين فالمماليك وقد زاد محمد علي في الأقسام الإدارية لتركيز السلطة وتوحيد أعمالها في المديريات ، وبلغ عدد الأقسام الإدارية لغاية آخر حكم سعید ٤۷ قسما تشتمل على ۳٦۳۹ قرية ، وقد سار اسماعيل على نهج جده في التعمير والإصلاح حتى بلغ عدد السكان في إحصاء سنة ۱۸۸۲ حوالي سبعة ملايين من الأنفس ، وأنشئ في عهده ۱۷ قسما وبلغت الأقسام في آخر حكمه ٦٤ قسما ، وفي سنة ۱۸۷۱ أصدر اسماعيل أمراً باطلاق كلمة مركز بدلا من قسيم في الوجه البحرى واسم مأمور بدلا من ناظر قسم على رئيس المركز ومعاون إدارة بدلا من حاكم خط ، أما في الوجه القبلى فقد أصدرت وزارة الداخلية منشوراً باستعمال كلمة مركز بدلا من قسم اعتباراً من سنة ١٨٩٠ أسوة بالوجه البحري ، وفي سنة ۱۸۸۰ أصبح عدد المراكز ۷۳ مرکزاً ، وفي سنة ۱۹۳۷ صار عدد السكان قريباً من ١٦ مليون نسمة وأصبح عدد المراكز في الوجه القبلي والبحري ۷٥ مرکزاً تشتمل على ٤۱۸۸ قرية مالية وإدارية بخلاف محافظات القاهرة والإسكندرية والحدود والقنال والسويس ودمياط . ونظرا لاتساع دائرة المدن التي فيها عواصم مديريات رأت وزارة الداخلية سنة ١٨٩٠ ضرورة فصل هذه المدن عن المراكز التابعة لها على أن ينشأ في كل مدينة مأمورية قائمة بذاتها ذات حدود معينة تفصلها عن قرى المراكز ويرأسها مأمور بندر للتمييز بينه و بين مأمور المركز ، وقد أنشأت الحكومة منذ تلك السنة ۱۲ مأمورية في مختلف نواحي القطر ٦ في الوجه البحري و٦ في الصعيد .

واضع القاموس الجغرافي

ولد المرحوم محمد رمزي في مدينة المنصورة في يوم 17 أكتوبر سنة ۱۸۷۱ الموافق ليوم ۳ شعبان سنة ۱۲۸۲ هـ وكان أبوه عثمان بك رمزي من رجال الخديوي اسماعيل الذين استفادوا من قرار سنة 1867 القاضي باعطاء الأراضي البور لمن يستصلحها وربط العشور عليها بعد 15 سنة من تاريخ الإعطاء ، وقد أعطى ۳۰۰ فدان في أرض المقاطعة وكفر سعد من أعمال مركز السنبلاوين وأنشأ فيها عزبتين وقفهما فيما بعد ، وجده مصطفی أغا کِسْکه من رجال المدفعية الذين انتقاهم الكولونيل سيف ( سليمان باشا الفرنساوي ) من الضباط الأتراك لتعليم المصريين فنون الحرب عندما قرر محمد علي إنشاء الجيش المصرى على النظام الحديث .

وفي سنة ۱۲۹5 هـ – ۱۸۷۸ م أحضر له والده فقيها علمه القراءة والكتابة ، ومكث في المكتب ثلاث سنوات في عزبة والده بالمقاطعة ، ثم ألحقه والده بمدرسة القبة بضواحي القاهرة ، وكان أكثر تلاميذ هذه المدرسة من أبناء الضباط الذين اشتركوا في الثورة العرابية فتعطلت المدرسة وألغيت نهائياً بعد صيف سنة ۱۸۸۲ ، ثم ألحقه والده بمدرسة المنصورة الابتدائية ، ثم التحق بالمدرسة التجهيزية بدرب الجماميز سنة ۱۸۸6 — وهي المدرسة الخديوية فيما بعد — وفي سنة 1890 التحق بمدرسة الحقوق الخديوية وكانت في شارع عبد العزيز مكان مدرسة المعلمين الأولية و بقي بها إلى السنة الثانية ، وفي صيف سنة ۱۸۹۲ حصل شقاق بينه و بين والده فانقطع عن الذهاب إلى مدرسة الحقوق وسكن مع زميله محمد بك توفيق المهندس بمصلحة التليفونات ، وفي أواخر سنة ۱۸۹۲ التحق بوزارة المالية بوظيفة كتابية بادارة الخزينة بأربعة جنيهات ، ثم التحق بوزارة الداخلية بوظيفة معاون إدارة سنة ۱۸۹۳ بمديرية الدقهلية بستة جنيهات ، وبعد سنة كتب خليل باشا عفت مدير الدقهلية كتاباً لوزارة الداخلية يفيدها أن المؤلف لم يقض مدة التمرين على ما يرام ، ولكن الشيخ محمد عبده توسط له فنقل إلى أسوان وفي سنة ۱۸۹۸ نقل إلى أسيوط ، وفي سنة ۱۹۰۰ نقل إلى ميت غمر ، وفي سنة ۱۹۰۲ نقل إلى مركز منيا القمح .

ولمناسبة الشروع في ربط الضرائب على الأطيان المبيعة من الحكومة للأهلين طلبه المستر مكلّوب مفتش المالية للقيام بمعاينة الأطيان وتقدير الضرائب عليها بمركز فاقوس ، ومن هنا عاد لوزارة المالية مرة أخرى ، ثم ندب رئيساً لإحدى لجان تعديل الضرائب في الدقهلية ثم نقل لقنا سنة ۱۹۰5 ورقي إلى وكيل مفتش مالية بمراقبة الأموال المقررة ، ثم أشرف على توزيع أطيان الدائرة السنية بعد تصفيتها في أرمنت والمطاعنة . وفي سنة 1906 ندب للتفتيش على أعمال الضرائب في مديريات جرجا وأسيوط والمنيا وبني سويف ، وبلغت ماهیته ۲۲ جنيهاً سنة ۱۹۰۷ ، وفي سنة ۱۹۲۱ أنعم عليه برتبة البيكوية وكانت ماهیته ستين جنيها، وفي سنة ۱۹۳۰ بلغت ماهيته ۸۰ جنيها ، وفي 8 مايو سنة ۱۹۳۱ أحيل إلى المعاش وكان معاشه 60 جنيهاً وقد كتب كل ذلك بخطه في ٢٤ يوليه سنة ۱۹۳۱.

كان رحمه الله يسمى وظيفته ( الوظيفة الصامتة ) وكان يحمل في حقيبته خطط المقریزي وخطط علي باشا مبارك ليسترشد بهما في تنقلاته في الريف والصعيد لتحقيق تاريخ تكوين البلاد المصرية وأسماء مواقعها ، وقد أوغل في مؤلفات امیلینو وماسبيرو وجوتييه وفييت ، وتغلغل في القرى والنواحي منقباً محققاً لما قرأ في تلك الكتب حتى عرف أصولها جميعها أو كاد وصار الحجة الكبرى بين الإخصائيين في هذا الشأن ، وعكف بعد بلوغه الستين — أي بعد أن نضج نضوجاً تاماً — على إظهار هذه التحقيقات في شكل كتب واستدراكات . وكان يحقق الأسماء الجغرافية على الخرط ويزيد على جزازاته القديمة كل جديد .

عرفته دار الكتب وعرفته مصلحة المساحة ولجنة حفظ الآثار العربية ومصلحة التنظيم ولجنة تسمية الشوارع والمجلس الحسبي العالي ولجنة التقسيم الإداري بوزارة الداخلية ، فأرسلت إليه كلها تستمد معلوماته في تاريخ البلاد المصرية فلم يضن عليها جميعاً طواعية واحتسابا ، ولا يكاد يخلو سطر من كتبه من إشارة إلى زيارة ومشاهدة لهذه المدن والقرى والعزب والكفور والأمكنة والشوارع والجوامع والدور القديمة الأثرية والمدارس بمصر والقاهرة وسائر البلاد المصرية على الإطلاق مما اقتضاه مكثه الطويل في خدمة الحكومة المصرية وعنايته بتدوين أوصافه ورحلاته وفوائده التاريخية والأثرية والجغرافية منذ صباه .

كان المرحوم الأستاذ محمد رمزي یاقوت مصر غير مدافع ، عالج حياة كتاب الخراج وهو مفتش مالية أكثر من ثلاثين سنة من سنة ۱۹۰۲ إلى سنة ۱۹۳۲ ، وقد أعانه تجواله في القرى المصرية طوال هاتيك السنين على زيارة جميع القرى وتوابعها بلا استثناء ، وكان يمارس عمله الرسمي من قياس الأرض وربط الخراج عليها إلى البحث أثناء مروره في القرى عن تاريخ تكوين البلاد وضبط حروف أسمائها وشكلها وسماعه لأسمائها من سكانها واستعمالها أثناء وجوده في الأقاليم في وظائف تابعة لوزارتي الداخلية والمالية .

وأول ما بدأ حياته الحرة في يناير سنة ۱۹۳۳ ( أي بعد إحالته إلى المعاش بزمن يسير ) نقل کتاب تحفة الإرشاد من مكتبة الأزهر بعد أن تبين له أن هذا الكتاب يشمل أسماء الأعمال المصرية أي المديريات وأسماء البلاد المصرية في كل عمل ، وهي الأسماء التي وردت في الروك الحسامي الذي عمل سنة 697هـ ، وهذا الكتاب يتكون أصله من قسمين الأول يشمل النواحي المتفقة أسماؤها أي المتشابهة مرتبة على الحروف الهجائية ، والثاني يشمل أسماء النواحی مرتبة على الحروف الهجائية في كل عمل على حدته .

وفي صيف سنة ۱۹۳۳ زار المعهد العلمي الديني بدمياط فوجد نسخة مخطوطة من هذا الكتاب وهي صورة مطابقة في وصفها وترتيبها لما ورد في نواحي القسم الثاني من نسخة مكتبة الأزهر ، ولم يجد القسم الأول المشتمل على البلاد المتفقة أسماؤها ، وقد أشار في القاموس الجغرافي إلى نسخة معهد دمياط بالحروف (ن م د) أي الحروف الأولى من عبارة نسخة معهد دمياط وفي أكتوبر سنة ۱۹۳۳ فكر في إعادة طبع كتاب التحفة السنية لابن الجيعان لأغراض ثلاثة الأول تصحيح الخطأ الوارد في النسخة المطبوعة في مصر سنة ۱۸۹۸ لحساب دار الكتب المصرية والثاني التعليق على كل اسم من أسماء البلدان وما طرأ عليه من التحريف أو التغيير وموضع كل بلد بحسب التقسيم الجغرافي الإداري الحالي أي بيان اسم المركز والمديرية التابع لهما كل قرية في الوقت الحاضر ، والثالث بيان ما درس من القرى الواردة في كتاب التحفة وما آل إليه حال كل قرية مندرسة ومهد لذلك بنبذة تاريخية عن كتاب التحفة المخطوط والمطبوع وتاريخ صاحبه ، ونسب الفضل في تصويب ما ورد إلى المراجع التي جعلها دستوراً لوضع القاموس الجغرافي .

قال المؤلف ( وقد اتخذت كتاب التحفة السنية لابن الجيعان أساساً لأبحاثي ووثيقة رسمية بين ما ظهر قبله من الكتب التي من نوعه في السنين السابقة على سنة ۸۸۳ هـ التي توافق سنة ۱4۷۷م وبين ما ظهر منها بعد ذلك التاريخ إلى اليوم ، أي اتخذته دليلا للمقارنة بين الماضي والحاضر ، و بذلك أمكنني أن أعرف البلاد التي درست من الروك الحسامي والبلاد التي استجدت في الروك الناصري ثم ما عرفته فيما بعد من دار المحفوظات بالقلعة وحجج الأوقاف بوزارة الأوقاف والمحاكم الشرعية مما استجد وما اندثر من القرى المصرية من عهد کتاب التحفة إلى اليوم ) .

ومن سنة ۱۹۳۳ إلى يوم وفاته وهو يكتب التعليقات الأثرية والجغرافية لكتاب النجوم الزاهرة في تاريخ مصر والقاهرة لابن تغري بردي ، وهو الكتاب الذي تنشره دار الكتب المصرية ، أي ابتداء من الجزء الرابع إلى الجزء التاسع أي من سنة ۱۹٣٣ إلى سنة ۱۹٤٥ ، وفي نهاية كل جزء تنبيه لذلك . وقد ظلت دار الكتب تنشر تعليقاته التي تركها على هذا الكتاب إلى آخر الجزء الحادي عشر أي إلى سنة ۱۹٥۱ .

وفي سنة ۱۹۳۰ نشر المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية استدراكه على كتاب جغرافية مصر في عهد القبط للمسيو أميلينو في الجزء الثالث من کتاب کشکول ماسبيرو Melanges Maspero وذلك من ص ۲۷٤ إلى ص ۳۲۱ . وفي سنة ۱۹۳۹ نشر نبذة تاريخية عن التعليم العام في مصر في عصر محمد على نشرت في الكتاب الذهبي للمدرسة الخديوية .

وفي سنة ۱۹٤۱ وضع « الدليل الجغرافي » لأسماء المدن والنواحي المصرية المعتبرة وحدة عقارية لحصر الأراضي وتحصيل الأموال المقررة . وقدمه لمصلحة المساحة فطبعته على نفقتها ، ويستفاد مما ورد في الصفحة حرف (و) من مقدمة الكتاب ما يفيد أن هذا الدليل من وضعه .

وفي هذه السنة نفسها أي سنة ۱۹٤۱ تعرف مؤلف القاموس الجغرافي بالدكتور عزیز سوریال وأطلعه الأخير على ما لديه من النسخ المخطوطة التي صورها بالفتوغرافية من مكتبات أوروبا من كتاب قوانين الدواوين لابن مماتي ناظر الدواوين في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي فوجد الباب الثالث من الكتاب المذكور يشمل أسماء جميع النواحي المصرية التي كانت وحدة مالية في ذلك الوقت ، ولما كان كتاب قوانين الدواوین کتب سنة ٥۸۸ هـ وهو أقدم من كتاب تحفة الإرشاد الذي كتب سنة ٦۹۷ هـ بنحو ۱۰۹ سنة فقد راجع کتاب تحفة الإرشاد على ما ورد في القسم الثالث من كتاب قوانين الدواوين لابن مماتي وتبين له من مراجعة أسماء البلاد المصرية الواردة في قوانين ابن مماتي أن جميعها وارد في كتاب تحفة الإرشاد إلا القليل الذي سقط سهواً من كتاب تحفة الإرشاد وعددها 56 ناحية ، وأن أسماء البلاد الواردة في قوانين ابن مماتي وردت كذلك في تحفة الإرشاد بالترتيب والتوالي حسب وضعها في أعمالها بدون أن يحدث تقديم أو تأخير في أي اسم منها على ما يقابله في كلا الكتابين إلا ما زاد من النواحي المستجدة فقد وضعت كلها في أعمالها وهي عبارة عن ۳۰ ناحية لم ترد في ابن مماتي استجدت واعتبرت وحدة مالية في المدة الواقعة بين سنة ٥٨٨ هـ وسنة ٦۹۷ هـ . وقد أشار إلى نسخة قوانين ابن مماتي في القاموس الجغرافي بالحروف ( ق ام ) وهي الحروف الأولى من عبارة قوانين ابن مماتي .

وقد لاحظ أيضا أن أسماء الثغور وبعض المدن لم ترد في تحفة الإرشاد ولا في قوانين الدواوين مثل القاهرة والإسكندرية ورشيد ودمياط والمحلة الكبرى والجيزة والبهنسا والأشمونين الخ . فاستدرك ذلك في القاموس الجغرافي من بعد سنة ۱۹٤۲ إلى حين وفاته .

وفي سنة ۱۹٤۲ وضع مقدمة كتاب المدن المصرية وتطوراتها للمهندس فؤاد فرج كما وضع في السنة التي قبلها مقدمة كتاب مصر في عهد الإسلام للأستاذ محمود عكوش ، ووضع أيضاً في سنة ۱۹٤۱ نبذة تاريخية عن الوصف الطبوغرافي للمنطقة التي تتوسطها مدرسة فؤاد الأول الثانوية بالعباسية، وفي سنة ۱۹٤۱ نشر نبذة تاريخية عن الوصف الطبوغرافي لمنطقة خط القصر العالي الكائن بين مبانيها المدرسة الإبراهيمية الثانوية ، وأمثال ذلك نبذة تاريخية عن مكان المدرسة الخديوية ، ونبذة تاريخية عن مكان مدرسة بنبا قادن الثانوية ، ونبذة تاريخية عن تاريخ شبرا وروض الفرج والفيوم وحلوان الحمامات ومجرى النيل وتحولاته الثمانية من طرح البحر بجوار القاهرة ومكان فم الخليج المصري عند فتح العرب لمصر الخ .

وقد سبق له أن نشر سنة ۱۹۲٥ مذكرة ببيان الأغلاط التي وقعت من مصلحة التنظيم في تسمية الشوارع والطرق بمدينة القاهرة وضواحيها قدمها لوزير الأشغال في يوم ٥ مايو سنة ۱۹۲٥ وطبعها في دار الكتب المصرية ، ومنذ ذلك الحين فضلا عن مؤلفاته السابقة كان يمد جريدتي الأهرام والمقطم بتحقيقاته الجغرافية والتاريخية هذا عدا ما نشره في مجلة العلوم والثقافة ومجلات المدارس الثانوية .

وله أبحاث كثيرة لم تنشر كتاريخ التقسيم الإداري من عهد الفراعنة إلى اليوم، وتاريخ مساجد القاهرة ، وشرح كتاب الخطط المقريزية والتعليق على جميع ما ورد به من الأماكن والمساجد والمدارس وغيرها من الآثار القائمة والمندرسة ، وتاريخ الترع والخلجان بالقاهرة وأبواب القاهرة . وتاريخ الوزارة المصرية ، وتاريخ المساحة المصرية ، والتعليق على كتاب جغرافية وأطلس مصر للأمير عمر طوسون ، والاستدراكات على جوتييه والدكتور بول وأميلينو وفييت ، وأغلبها نشر في هذا القسم الأول من القاموس الجغرافي .

وكان رحمه الله عضواً في المجلس الأعلى لحفظ الآثار العربية ، وعضواً في اللجنة التنفيذية لإدارة حفظ الآثار ، وعضواً بمجلس حسبي مصر الاستئنافي ، وعضواً في لجنة تسمية شوارع القاهرة ، وعضواً في لجنة التقسيم الإداري .

وقد وضع كتابه القاموس الجغرافي في جزازات وقسمه إلى قسمين كبيرين ، القسم الأول القرى المندرسة وما آلت إليه حال كل قرية ومكانها على الطبيعة الآن ، والقسم الثاني القرى الحالية من قديمة وحديثة مرتبة على الحروف الهجائية في أقاليمها ، وموضع كل بلد في هذه الأقاليم حسب التقسيم الجغرافي الحالى أي بيان المركز والمديرية التابع لها كل قرية في الوقت الحاضر ، وقد بني هذا الجزء الأخير على قسمين تاريخيين القرى القديمة التي كانت موجودة إلى سنة ۸۸۳ هـ التي توافق سنة ۱٤۷۷م والقرى الحديثة التي استجدت منذ هذا التاريخ إلى يوم وفاته .

وظل رحمه الله دائب التغيير والتبديل والزيادة في هذه الجزازات حتى استقرت على حال قرر معها أن يطبع هذا القاموس ، ولكن شمسه آذنت بالغروب في فبراير سنة ۱۹٤٥ وترك هذه الثروة الكبيرة في شكل هذه الجزازات التي بلغت نحو العشرة آلاف جزازة في القرى المندرسة والقديمة والحديثة جميعاً .

وقيض الله لحفظ هذه الثروة العلمية الطائلة صهره المهندس حسن فؤاد مدير المساحة المصرية الأسبق فهو الذي قدمها مع مذكراته إلى دار الكتب لطبعها خدمة للعلم وإحياء لفضل هذا العالم المصري الكبير ، فله منا أجزل الشكر .

أحمد رامي أحمد لطفي السيد وكيل دار الكتب المصرية بدار الكتب المصرية

رجب سنة ۱۳۷۳ مارس سنة ۱۹٥٤